في نطاق الحسّ، وإنّما تتعلّق بتلك الحقائق الكلّية المجرّدة.
وهذه النظرية ترتكز على قضيّتين فلسفيتين:
إحداهما أنّ النفس موجودة قبل وجود البدن في عالم أسمى من المادّة.
والاخرى أنّ الإدراك العقلي عبارة عن إدراك الحقائق المجرّدة الثابتة في ذلك العالم الأسمى، والتي يصطلح عليها أفلاطون بكلمة (المُثل).
وكلتا القضيّتين خاطئتان كما أوضح ذلك ناقدو الفلسفة الأفلاطونية، فالنفس في مفهومها الفلسفي المعقول ليست شيئاً موجوداً بصورة مجرّدة قبل وجود البدن، بل هي نتاج حركة جوهرية في المادّة، تبدأ النفس بها مادّية متّصفة بخصائص المادّة وخاضعة لقوانينها، وتصبح بالحركة والتكامل وجوداً مجرّداً عن المادّة لا يتّصف بصفاتها ولا يخضع لقوانينها وإن كان خاضعاً لقوانين الوجود العامّة؛ فإنّ هذا المفهوم الفلسفي عن النفس هو المفهوم الوحيد الذي يستطيع أن يفسِّر المشكلة، ويعطي إيضاحاً معقولًا عن العلاقة القائمة بين النفس والمادّة، بين النفس والبدن. وأمّا المفهوم الأفلاطوني- الذي يفترض للنفس وجوداً سابقاً على البدن- فهو أعجز ما يكون عن تفسير هذه العلاقة، وتعليل الارتباط القائم بين البدن والنفس، وعن إيضاح الظروف التي جعلت النفس تهبط من مستواها إلى المستوى المادّي.
كما أنّ الإدراك العقلي يمكن إيضاحه مع إبعاد فكرة المُثل عن مجال البحث بما شرحه أرسطو في فلسفته: من أنّ المعاني المحسوسة هي نفسها المعاني العامّة التي يدركها العقل بعد تجريدها عن الخصائص المميّزة للأفراد واستبقاء المعنى المشترك، فليس الإنسان العامّ الذي ندركه حقيقة مثالية سبق أن شاهدناها في عالم أسمى، بل هو صورة هذا الإنسان أو ذاك بعد إجراء عملية التجريد عليها، واستخلاص المعنى العامّ منها.