1- نظرية الاستذكار الأفلاطونية[1]:
وهي النظرية القائلة: بأنّ الإدراك عملية استذكار للمعلومات السابقة. وقد ابتدع هذه النظرية أفلاطون، وأقامها على فلسفته الخاصّة عن المُثل وقِدم النفس الإنسانية، فكان يعتقد أنّ النفس الإنسانية موجودة بصورة مستقلّة عن البدن قبل وجوده، ولمّا كان وجودها هذا متحرّراً من المادّة وقيودها تحرّراً كاملًا، اتيح لها الاتّصال بالمثل أي: بالحقائق المجرّدة عن المادّة وأمكنها العلم بها، وحين اضطرّت إلى الهبوط من عالمها المجرّد للاتّصال بالبدن والارتباط به في دنيا المادّة، فقدت بسبب ذلك كلّ ما كانت تعلمه من تلك المثل والحقائق الثابتة، وذهلت عنها ذهولًا تامّاً، ولكنّها تبدأ باسترجاع إدراكاتها عن طريق الإحساس بالمعاني الخاصّة والأشياء الجزئية؛ لأنّ هذه المعاني والأشياء كلّها ظلال وانعكاسات لتلك المثل والحقائق الأزلية الخالدة في العالم الذي كانت تعيش النفس فيه. فمتى أحسّت بمعنى خاصّ انتقلت فوراً إلى الحقيقة المثالية التي كانت تدركها قبل اتّصالها بالبدن، وعلى هذا الأساس يكون إدراكنا للإنسان العام- أي:
لمفهوم الإنسان بصورة كلّية- عبارة عن استذكار لحقيقة مجرّدة كنّا قد غفلنا عنها، وإنّما استذكرناها بسبب الإحساس بهذا الإنسان الخاصّ أو ذاك من الأفراد التي تعكس في عالم المادّة تلك الحقيقة المجرّدة.
فالتصوّرات العامّة سابقة على الإحساس، ولا يقوم الإحساس إلّابعملية استرجاع واستذكار لها، والإدراكات العقلية لا تتعلّق بالامور الجزئية التي تدخل
[1] يراجع للتفصيل والتوضيح الأسفار الأربعة 2: 46 الفصل 9، و: أفلاطون، د. مصطفى غالب: 41، و: من الفلسفة اليونانيّة إلى الفلسفة الإسلاميّة، د. محمّد عبد الرحمن مرحبا: 126- 130