من الثقافة الديمقراطية الرأسمالية.
ونصل هنا إلى أفظع حلقات المأساة التي يمثّلها هذا النظام؛ فإنّ هؤلاء السادة الذين وضع النظامُ الديمقراطي الرأسمالي في أيديهم كلَّ نفوذ، وزوَّدهم بكلّ قوّة وطاقة، سوف يمدّون أنظارهم- بوحي من عقلية هذا النظام- إلى الآفاق، ويشعرون بوحي من مصالحهم وأغراضهم أ نّهم في حاجة إلى مناطق نفوذ جديدة؛ وذلك لسبيين:
الأوّل: أنّ وفرة الإنتاج تتوقّف على مدى توفّر المواد الأوّلية وكثرتها، فكلّ من يكون حظّه من تلك المواد أعظم تكون طاقاته الإنتاجية أقوى وأكثر.
وهذه المواد منتشرة في بلاد اللَّه العريضة. وإذا كان من الواجب الحصول عليها، فاللازم السيطرة على البلاد التي تملك المواد، لامتصاصها واستغلالها.
الثاني: أنّ شِدَّة حركة الإنتاج وقوّتها بدافع من الحرص على كثرة الربح من ناحية، ومن ناحية اخرى انخفاض المستوى المعيشي لكثير من المواطنين بدافع من الشره المادّي للفئة الرأسمالية، ومغالبتها للعامّة على حقوقها بأساليبها النفعية، التي تجعل المواطنين عاجزين عن شراء المنتجات واستهلاكها، كلّ ذلك يجعل كبار المنتجين في حاجة ماسّة إلى أسواق جديدة لبيع المنتجات الفائضة فيها، وإيجاد تلك الأسواق يعني التفكير في بلاد جديدة.
وهكذا تُدرَس المسألة بذهنية مادّية خالصة. ومن الطبيعي لمثل هذه الذهنية التي لم يرتكز نظامها على القيم الروحية والخُلُقية، ولم يعترف مذهبها الاجتماعي بغاية إلّاإسعاد هذه الحياة المحدودة بمختلف المتع والشهوات، أن ترى في هذين السببين مبرّراً ومسوّغاً منطقيّاً للاعتداء على البلاد الآمنة، وانتهاك كرامتها، والسيطرة على مقدّراتها ومواردها الطبيعية الكبرى، واستغلال ثرواتها لترويج البضائع الفائضة. فكلّ ذلك أمر معقول وجائز في عرف المصالح الفردية