والمعونة إلى هؤلاء، لتنتشلهم من الهوَّة، وتشركهم في مغانمها الضخمة. ولماذا تفعل ذلك؟! ما دام المقياس الخُلُقي هو المنفعة واللذّة، وما دامت الدولة تضمن لها مطلق الحرّية فيما تعمل، وما دام النظام الديمقراطي الرأسمالي يضيق بالفلسفة المعنوية للحياة ومفاهيمها الخاصّة.
فالمسألة- إذاً- يجب أن تُدرَس بالطريقة التي يوحي بها هذا النظام، وهي:
أن يستغلَّ هؤلاء الكبراء حاجة الأكثرية إليهم، ومقوِّماتهم المعيشية، فيفرض على القادرين العملُ في ميادينهم ومصانعهم في مدّة لا يمكن الزيادة عليها، وبأثمان لا تفي إلّابالحياة الضرورية لهم. هذا هو منطق المنفعة الخالص الذي كان من الطبيعي أن يسلكوه، وتنقسم الامّة بسبب ذلك إلى فئة في قمّة الثراء، وأكثرية في المهوى السحيق.
وهنا يتبلور الحقّ السياسي للُامّة من جديد بشكل آخر. فالمساواة في الحقوق السياسية بين أفراد المواطنين وإن لم تمح من سجلّ النظام، غير أ نّها لم تعد بعد هذه الزعازع إلّاخيالًا وتفكيراً خالصاً؛ فإنّ الحرّية الاقتصادية حين تسجِّل ما عرضناه من نتائج، تنتهي إلى الانقسام الفظيع الذي مرّ في العرض، وتكون هي المسيطرة على الموقف والماسكة بالزمام، وتُقهَر الحرّية السياسية أمامها؛ فإنّ الفئة الرأسمالية بحكم مركزها الاقتصادي من المجتمع، وقدرتها على استعمال جميع وسائل الدعاية، وتمكُّنِها من شراء الأنصار والأعوان، تهيمن على مقاليد الحكم في الامّة، وتتسلّم السلطة لتسخيرها في مصالحها والسهر على مآربها، ويصبح التشريع والنظام الاجتماعي خاضعاً لسيطرة رأس المال، بعد أن كان المفروض في المفاهيم الديمقراطية أ نّه من حقّ الامّة جمعاء. وهكذا تعود الديمقراطية الرأسمالية في نهاية المطاف حُكماً تستأثر به الأقلية، وسلطاناً يحمي به عِدّةٌ من الأفراد كيانهم على حساب الآخرين، بالعقلية النفعية التي يستوحونها