سائر المركّبات الكيماوية- كما تحاول الماركسية- لأدّى ذلك إلى نتيجة مغايرة لما رمت إليه؛ إذ تصبح القفزات التطوّرية في النظام الاجتماعي، انقلابات منبثقة عن عوامل خارجية، لا عن مجرّد التناقضات المحتواة في نفس النظام، وتزول صفة الحتمية عن تلك القفزات، وتكون غير ضرورية إذا لم تكتمل العوامل الخارجية.
ومن الواضح: أ نّنا كما يمكننا أن نتحفّظ على حالة السيلان للماء، ونبعده عن العوامل التي تجعله يقفز إلى حالة الغازية، كذلك يصبح بالإمكان الحفاظ على النظام الاجتماعي، والابتعاد به عن الأسباب الخارجية التي تكتب عليه الفناء.
وهكذا يتّضح: أنّ تطبيق قانون ديالكتي واحد على التطوّرات الدفعية للماء في غليانه وتجمّده، وعلى المجتمع في انقلاباته، يسجّل نتائج معكوسة لما يترقّب الديالكتيك.
ثانياً- أنّ الحركة التطوّرية في الماء ليست حركة صاعدة، بل هي حركة دائرية يتطوّر فيها الماء إلى بخار، ويعود البخار كما كان، دون أن ينتج عن ذلك تكامل كمّي أو كيفي. فإذا اعتبرت هذه الحركة ديالكتيكية، كان معناه: أ نّه ليس من الضروري أن تكون الحركة صاعدة وتقدّمية دائماً، ولا من المحتوم أن يكون التطوّر الديالكتي في ميادين الطبيعة أو الاجتماع تكاملياً وارتقائياً.
ثالثاً- أنّ نفس القفزة التطوّرية للماء إلى غاز التي حقّقها بلوغ الحرارة درجة معيّنة، لا يجب أن تستوعِب الماء كلّه في وقت واحد؛ فإنّ كلّ إنسان يعلم أنّ البحار والمحيطات تتبخّر كمّيات مختلفة من مياهها تبخّراً تدريجياً، ولا تقفز بمجموعها مرّة واحدة إلى الحالة الغازية. وهذا ينتج أنّ التطوّر الكيفي- في المجالات التي يكون فيها دفعياً- لا يتحتّم أن يتناول الكائن المتطوّر ككلّ، بل قد يبدأ بأجزائه فيقفز بها إلى حالة الغازية، وتتعاقب القفزات وتتكرّر الدفعات حتّى