عملية الانصهار، حتّى إذا بلغت درجة معيّنة خفّت فيه صلابة الشمع، وبدأ يلين ويسترخي بصورة تدريجية، فلا هو بالصُّلب ولا هو بالسائل، ويتدرّج في حالة الليونة حتّى يستحيل مادّة سائلة.
ولنأخذ مثلًا آخر من الظواهر الاجتماعية، وهو اللغة بوصفها ظاهرة تتطوّر وتتحوّل ولا تخضع لقانون الديالكتيك، فإنّ تأريخ اللغة لا يحدّثنا عن تحوّلات كيفية آنيّة في سيرها التأريخي، وإنّما يعبّر عن تحوّلات تدريجية في اللغة من الناحية الكمّية والكيفية، فلو كانت اللغة خاضعة لقانون القفزات وتحوّل التغيّرات الكمّية التدريجية إلى تغيّر دفعي حاسم، لكنّا نستطيع أن نضع أصابعنا على نقاط فاصلة في حياة اللغة، تتحوّل فيها من شكل إلى شكل نتيجةً للتغيّرات الكمّية البطيئة، وهذا ما لا نجده في كلّ اللغات التي عاشها الإنسان واستخدمها في حياته الاجتماعية.
فنستطيع أن نعرف إذن- على ضوء مجموعة ظواهر الطبيعة- أنّ القفزة والدفعية ليستا ضروريتين للتطوّر الكيفي، وأنّ التطوّر كما يكون دفعياً، يكون تدريجياً أيضاً.
ولنأخذ بعد ذلك المثال المدرسي السابق، مثال الماء في انجماده وغليانه، فنلاحظ عليه:
أوّلًا- أنّ الحركة التطوّرية التي يحتويها المثال، ليست حركة ديالكتيكية؛ لأنّ التجربة لا تبرهن على انبثاقها عن تناقضات المحتوى الداخلي للماء، كما تفرضه تناقضات التطوّر في الديالكتيك. فنحن جميعاً نعلم أنّ الماء لولا الحرارة الخارجية، لبقي ماءً، ولما تطوّر إلى غاز، فلم يتمّ التطوّر الانقلابي للماء- إذن- بصورة ديالكتيكية. فإذا أردنا أن نعتبر القانون الذي يتحكّم في الانقلابات الاجتماعية هو نفس القانون الذي تمّ بموجبه الانقلاب الدفعي في الماء، أو في