منها. ولكن ليس معنى ذلك: أنّ من الضروري- دائماً وفي جميع المجالات- أن يقفز التطوّر في مراحل معيّنة؛ ليكون تطوّراً كيفياً. ولا تكفي عدّة أمثلة للتدليل العلمي أو الفلسفي على حتمية هذه القفزات في تأريخ التطوّر، وخصوصاً حين تنتقيها الماركسية انتقاءً، وتهمل الأمثلة التي كانت تستعملها لإيضاح قانون آخر من قوانين الديالكتيك، لا لشيء إلّالأنّها لا تتّفق مع هذا القانون الجديد. فقد كانت الماركسية تمثّل لتناقضات التطوّر بالجرثومة الحيّة في داخل البيضة التي تجنح إلى أن تكون فرخاً[1]، وبالبذرة التي تنطوي على نقيضها، فتتطوّر بسبب الصراع في محتواها الداخلي، فتكون شجرة.
أفليس من حقّنا أن نطالب الماركسية بإعادة النظر في هذه الأمثلة؛ لكي نعرف كيف تستطيع أن تشرح لنا قفزات التطوّر فيها؟ فهل صيرورة البذرة شجرة، أو الجرثومة فرخاً (تطوّر تز إلى آنتى تز)، أو صيرورة الفرخ دجاجة (تطوّر آنتي تز إلى سنتز)، تتأتّى بقفزة من قفزات التطوّر الديالكتيكية، فتتحوّل الجرثومة في آن واحد إلى فرخ، والفرخ إلى دجاجة، والبذرة إلى شجرة، وإنّ هذه الصيرورات تحصل بحركة تدريجية متصاعدة؟ وحتّى في الموادّ الكيماوية القابلة للانصهار نجد اللونين من التطوّر معاً. فكما يحصل فيها التطوّر بقفزة، كذلك قد يحصل بصورة تدريجية. فنحن نعلم- مثلًا- أنّ المواد المتبلورة تتحوّل من حالة الصلابة إلى حالة السيولة بصورة فجائية، كالجليد الذي تساوي حرارة انصهاره (80) سعرة، فتتحوّل عند ذاك دفعة واحدة إلى سائل. وعلى عكس ذلك المواد غير المتبلورة، كالزجاج وشمع العسل؛ فإنّها لا تنصهر ولا تتحوّل كيفياً بصورة دفعية، وإنّما يتمّ انصهارها تدريجياً. فالشمع- مثلًا- ترتفع حرارته أثناء
[1] هذه هي الديالكتيكية: مبادئ الفلسفة الأوّلية؛ لجورج بوليتزر: 10