ولم يحاول الماركسيون أن يبرهنوا على تناقضات الأشياء، أي: على قانون الديالكتيك وأساسه الجدلي، إلّابحشد من الأمثلة والظواهر التي حاولوا أن يبرزوا بها تناقضات الطبيعة وجدلها. فالتناقض إنّما كان من قوانين المنطق الديالكتيكي؛ لأنّ الطبيعة بنفسها متناقضة وديالكتيكية، بدليل ما يقدّم لنا الحسّ، أو يكشف عنه العلم من ضروب التناقض التي تطيح بمبدأ عدم التناقض، وتجعله غير منسجم مع واقع الطبيعة وقوانينها الحاكمة في مختلف ميادينها ومجالاتها.
وقد ألمعنا سابقاً إلى أنّ الماركسية لم تجد سبيلًا لديناميكية الطبيعة، وجعل القوى الفعّالة للحركة محتوىً داخلياً لنفس المادّة المتطوّرة، إلّابأن تنطلق من التناقض، وتؤمن باجتماع النقائض في وحدة متطوّرة تبعاً لنضال تلك النقائض وصراعها.
فالمسألة في نظر الماركسية ذات حدّين لا ثالث لهما: فإمّا أن نصوغ فكرتنا عن العالم على المبدأ القائل بعدم التناقض، فلا يوجد النفي والإثبات في صميم الأشياء، ولا يقوم فيها صراع المتناقضات، وبالتالي يتعيّن أن نفحص عن رصيد الحركة والتطوّر في سبب أعلى من الطبيعة وتطوّراتها.
وإمّا أن نشيد منطقنا على الاعتقاد بنفوذ التناقض إلى صميم الأشياء، وتوحّد الأضداد أو النفي والإثبات[1] في كلّ كائن، فنكون بذلك قد وجدنا سر
[1] يلاحظ في جميع النصوص الماركسية: أ نّها تسيء استعمال كلمتي:( التناقض) و( التضادّ) فتعتبرهما بمعنى واحد، مع أنّ الكلمتين ليستا مترادفتين في المصطلحات الفلسفية؛ فإنّ التناقض هي حالة النفي والإثبات. والتضادّ يعني: إثباتين متعاكسين. فاستقامة الخطّ وعدم استقامته نقيضان؛ لأنّهما من النفي والإثبات. وأمّا استقامة الخطّ وانحناؤه فهما ضدّان، ولا يصدق عليهما التناقض بمفهومه الفلسفي؛ لأنّ كلًا من الاستقامة والانحناء ليس نفياً للآخر، وإنّما هو إثبات يقابل إثبات الآخر. وكذلك أساءت الماركسية فهم( التضادّ)، أو استعمال كلمة:( التضادّ)، فاعتبرت الشيء المختلف عن الآخر ضدّاً له. فالفرخ ضدّ البيضة، والدجاجة ضدّ الفرخ. مع أنّ( التضادّ) في المصطلحات الفلسفية ليس مجرّد اختلاف بين الأشياء فحسب، بل الضدّ هو الوصف الذي لا يمكن أن يجتمع مع الوصف الآخر في شيء واحد. ونحن نجري في الكتاب طبقاً للاستعمالات الماركسية؛ لأجل التسهيل والتوضيح.( المؤلّف قدس سره)