المادّي البحت للإدراك الذي يفرض اشتراكه مع الطبيعة في جميع قوانينها ونواميسها بما فيها قانون الحركة. وسوف نقوم بتحليل تلك النقطة الأساسية في جزء مستقلّ من هذه المسألة. ولكنّا نحاول أن نتساءل هنا من الماركسيين: هل التفسير المادّي للفكر أو الإدراك يختصّ بأفكار الديالكتيكيين خاصّة؟ أو يعمّ أفكار غيرهم ممّن لا يؤمن بالديالكتيك أيضاً؟ فإن كان يعمّ الأفكار كافة- كما تحتّمه الفلسفة المادّية- وجب أن تخضع جميعاً لقوانين التطوّر العام في المادّة.
ويبدو لأجل ذلك من التناقض الطريف أن تتّهم الماركسية الأفكار الاخرى بالجمود والقرار، وتعتبر فكرها وحده هو الفكر المتطوّر النامي؛ باعتباره جزءاً من الطبيعة المتطوّرة. مع أنّ الأفكار البشرية جميعاً في المفهوم المادّي ليست إلّا نتاجاً طبيعياً.
وقصارى ما في الموضوع: أنّ أصحاب المنطق العامّ أو الشكلي- كما يزعمون- لا يؤمنون بتطوّر الأفكار ديالكتيكياً، كما يؤمن الماركسيون. ولكن متى كان الإيمان بقانون من قوانين الطبيعة شرطاً من شرائط وجوده؟! أليس جسم (باستور) المكتشف للميكروب، وجسم (ابن سينا) الذي لم يكن يعرف عنه شيئاً، يشتركان معاً في التفاعل مع تلك الجراثيم طبقاً لقوانينها الطبيعية الخاصّة؟! وهكذا الشأن في كلّ قانون طبيعي. فإذا كان الديالكتيك قانوناً طبيعياً يعمّ الفكر والمادّة معاً، فهو يسري على الأفكار البشرية على السواء، وإن كان في اكتشافه شيء، فهو الإسراع بحركة التطوّر فحسب.
المحاولة الثالثة- استغلال التطوّر والتكامل العلمي في شتّى الميادين، واعتباره دليلًا تجريبياً على ديالكتيكية الفكر وتطوّره. فتأريخ العلوم- في الزعم الماركسي- هو بنفسه تأريخ الحركة الديالكتيكية في التفكير البشري المتكامل على مرّ الزمن.