التمرّد والسخط على الدين المزعوم الذي كان يجمِّد الأفكار والعقول، ويتملّق للظلم والجبروت، وينتصر للفساد الاجتماعي في كلّ معركة يخوضها مع الضعفاء والمضطهدين‏[1].

فهذه العوامل الثلاثة ساعدت على بعث المادّية في كثير من العقليّات الغربية.

كلّ هذا صحيح، ولكنّ النظام الرأسمالي لم يركّز على فهم فلسفي مادّي للحياة، وهذا هو التناقض والعجز، فإنّ المسألة الاجتماعية للحياة تتّصل بواقع الحياة، ولا تتبلور في شكل صحيح إلّاإذا اقيمت على قاعدة مركزية، تشرح الحياة وواقعها وحدودها، والنظام الرأسمالي يفقد هذه القاعدة، فهو ينطوي على خداع وتضليل، أو على عجلة وقلّة أناة، حين تجمّد المسألة الواقعية للحياة، وتُدرَس المسألة الاجتماعية منفصلة عنها، مع أنّ قوام الميزان الفكري للنظام بتحديد نظرته منذ البداية إلى واقع الحياة، التي تموِّن المجتمع بالمادّة الاجتماعية- وهي: العلاقات المتبادلة بين الناس- وطريقة فهمه لها، واكتشاف أسرارها وقيمها. فالإنسان في هذا الكوكب إن كان من صنع قوّة مُدبِّرة ميهمنة، عالمة بأسراره وخفاياه، بظواهره ودقائقه، قائمة على تنظيمه وتوجيهه، فمن الطبيعي أن يخضع في توجيهه وتكييف حياته لتلك القوّة الخالقة؛ لأنّها أبصر بأمره، وأعلم‏

 

[1] فإنّ الكنيسة لعبت دوراً هامّاً في استغلال الدين استغلالًا شنيعاً، وجعل اسمه أداة مآربها وأغراضها، وخنق الأنفاس العلمية والاجتماعية، وأقامت محاكم التفتيش، وأعطت لها الصلاحيّات الواسعة للتصرّف في المقدَّرات، حتّى تولّد عن ذلك كلّه التبرّم بالدين والسخط عليه؛ لأنّ الجريمة ارتكبت باسمه، مع أ نّه في واقعه المصفّى وجوهره الصحيح لا يقلّ عن اولئك الساخطين والمتبرّمين ضيقاً بتلك الجريمة، واستفظاعاً لدوافعها ونتائجها.( المؤلّف قدس سره)