بواقعه، وأنزه قصداً، وأشدّ اعتدالًا منه.
وأيضاً، فإنّ هذه الحياة المحدودة إن كانت بداية الشوط لحياة خالدة تنبثق عنها، وتتلوّن بطابعها، وتتوقّف موازينها على مدى اعتدال الحياة الاولى ونزاهتها، فمن الطبيعي أن تنظّم الحياة الحاضرة بما هي بداية الشوط لحياة لا فناء فيها، وتقام على اسس القِيَم المعنوية والمادّية معاً.
وإذن فمسألة الإيمان باللَّه وانبثاق الحياة عنه ليست مسألةً فكرية خالصة لا علاقة لها بالحياة، لتفصل عن مجالات الحياة ويشرّع لها طرائقها ودساتيرها مع إغفال تلك المسألة وفصلها، بل هي مسألة تتّصل بالعقل والقلب والحياة جميعاً.
والدليل على مدى اتّصالها بالحياة من الديمقراطية الرأسمالية نفسها: أنّ الفكرة فيها تُقدَّم على أساس الإيمان بعدم وجود شخصية أو مجموعة من الأفراد بلغت من العصمة في قصدها وميلها وفي رأيها واجتهادها إلى الدرجة التي تبيح إيكال المسألة الاجتماعية إليها، والتعويل في إقامة حياة صالحة للُامّة عليها.
وهذا الأساس بنفسه لا موضعَ ولا معنى له إلّاإذا اقيم على فلسفة مادّية خالصة، لا تعترف بإمكان انبثاق النظام إلّاعن عقل بشري محدود.
فالنظام الرأسمالي مادّي بكلّ ما للّفظ من معنى، فهو إمّا أن يكون قد استبطن المادّية، ولم يجرؤ على الإعلان عن ربطه بها وارتكازه عليها. وإمّا أن يكون جاهلًا بمدى الربط الطبيعي بين المسألة الواقعية للحياة ومسألتها الاجتماعية. وعلى هذا فهو يفقد الفلسفة التي لا بدّ لكلّ نظام اجتماعي أن يرتكز عليها. وهو- بكلمة- نظام مادّي، وإن لم يكن مقاماً على فلسفة مادّية واضحة الخطوط.