الماء بالانفعال والتأثّر بحرارة النار تبدأ حرارته بالحركة والتطوّر، بمعنى: أنّ القوى والإمكانات التي كانت تملكها تتبدّل إلى حقيقة، والماء في كلّ مرحلة من مراحل الحركة يخرج من إمكان إلى فعلية، ولذلك تكون القوّة والفعلية متشابكتين في جميع أدوار الحركة، وفي اللحظة التي تستنفذ جميع الإمكانات تقف الحركة.
فالحركة- إذن- في كلّ مرحلة ذات لونين: فهي من ناحية فعلية وواقعية؛ لأنّ الدرجة التي تسجّلها المرحلة موجودة بصورة واقعية وفعلية. ومن ناحية اخرى هي إمكان وقوّة للدرجات الاخرى الصاعدة التي ينتظر من الحركة أن تسجّلها في مراحلها الجديدة. فالماء في مثالنا إذا لاحظناه في لحظة معيّنة من الحركة، نجد أ نّه ساخن بالفعل بدرجة ثمانين مثلًا، ولكنّه في نفس الوقت ينطوي على إمكان تخطّي هذه الدرجة، وقوّة تطوّر للحرارة إلى أعلى. ففعلية كلّ درجة في مرحلتها الخاصّة مقارنة لقوّة فنائها.
ولنأخذ مثالًا أعمق للحركة، وهو الكائن الحيّ الذي يتطوّر بحركة تدريجية، فهو بويضة، فنطفة، فجنين، فطفل، فمراهق، فراشد. إنّ هذا الكائن فيمرحلة محدودة من حركته هو نطفة بالفعل، ولكنّه في نفس الوقت شيء آخر مقابل للنطفة وأرقى منها، فهو جنين بالقوّة، ومعنى هذا: أنّ الحركة في هذا الكائن قد ازدوجت فيها الفعلية والقوّة معاً. فلو لم يكن في الكائن الحيّ قوّة درجة جديدة وإمكاناتها لما وجدت حركة، ولو لم يكن شيئاً من الأشياء بالفعل لكان عدماً محضاً، فلا توجد حركة أيضاً. فالتطوّر يأتلف دائماً من شيء بالفعل وشيء بالقوّة. وهكذا تستمرّ الحركة ما دام الشيء يحتوي على الفعلية والقوّة معاً، على الوجود والإمكان معاً، فإذا نفذ الإمكان، ولم تبقَ في الشيء طاقة على درجة جديدة، انتهى عمر الحركة.
هذا هو معنى خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجاً، أو تشابك القوّة