ومن الواضح: أنّ التكامل- أو الحركة التطوّرية- لا يمكن أن يُفهم إلّاعلى هذا الأساس، وأمّا تتابع ظواهر متعدّدة يوجد كلّ واحدة منها بعد الظاهرة السابقة، وتفسح المجال بفنائها لظاهرة جديدة، فليس هذا نموّاً وتكاملًا، وبالتالي ليس حركة، وإنّما هو لون من التغيّر العامّ.
فالحركة سير تدريجي للوجود، وتطوّر للشيء في الدرجات التي تتّسع لها إمكاناته؛ ولذلك حدّد المفهوم الفلسفي للحركة بأ نّها خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجياً[1].
ويرتكز هذا التحديد على الفكرة التي قدّمناها عن الحركة، فإنّ الحركة- كما عرفنا- ليست عبارة عن فناء الشيء فناءً مطلقاً ووجود شيء آخر جديد، وإنّما هي تطوّر الشيء في درجات الوجود. فيجب- إذن- أن تحتوي كلّ حركة على وجود واحد مستمرّ منذ تنطلق إلى أن تتوقّف، وهذا الوجود هو الذي يتحرّك، بمعنى: أ نّه يتدرّج ويثرى بصورة مستمرّة، وكلّ درجة تعبّر عن مرحلة من مراحل ذلك الوجود الواحد، وهذه المراحل إنّما توجد بالحركة، فالشيء المتحرّك أو الوجود المتطوّر لا يملكها قبل الحركة وإلّا لما وجدت حركة، بل هو في لحظة الانطلاق يتمثّل لنا في قوىً وإمكانات، وبالحركة تستنفذ تلك الإمكانات، ويُستبدَل في كلّ درجة من درجات الحركة الإمكانُ بالواقع والقوّة بالفعليّة.
فالماء قبل وضعه على النار لا يملك من الحرارة المحسوسة إلّاإمكانها، وهذا الإمكان الذي يملكه ليس إمكاناً لدرجة معيّنة من الحرارة، بل هي بجميع درجاتها- التي تؤدّي إلى الحالة الغازية في النهاية- ممكنة للماء، وحين يبدأ
[1] القوّة: عبارة عن إمكان الشيء، والفعل: عبارة عن وجوده حقيقة.( المؤلّف قدس سره)