في مسافة ما عبارة عن وقوفه في المنطقة الاولى من تلك المسافة، فوقوفه في النقطة الثانية، ففي الثالثة، وهكذا … فإذا رأينا شخصين أحدهما واقف في نقطة معيّنة، والآخر يمشي نحو اتّجاه خاصّ، فكلاهما في رأي (زينون) واقف ساكن، غير أنّ الأوّل ساكن في نقطة معيّنة على طول الخطّ، وأمّا الآخر فله سكنات متعدّدة؛ لتعدّد النقاط التي يطويها، وله في كلّ لحظة مكانيّة خاصّة، وهو في كلّ تلك اللحظات لا يختلف مطلقاً عن الشخص الأوّل الواقف في نقطة معيّنة، فهما معاً ساكنان، وإن كان سكون الأوّل مستمرّاً، وسكون الثاني يتبدّل بسرعة إلى سكون آخر في نقطة اخرى من المسافة. فالاختلاف بينهما هو الاختلاف بين سكون قصير الأمد وسكون طويل الأمد.
هذا ما كان يحاوله (زينون) وبعض فلاسفة الإغريق. وقد برهن على وجهة نظره بالأدلّة الأربعة المشهورة عنه التي لم يقدّر لها النجاح والتوفيق في الميدان الفلسفي؛ لأنّ مدرسة أرسطو- وهي المدرسة الفلسفية الكبرى في العهد الإغريقي- آمنت بالحركة، وردّت على تلك الأدلّة وزيّفتها، وبرهنت على وجود الحركة والتطوّر في ظواهر الطبيعة وصفاتها، بمعنى: أنّ الظاهرة الطبيعية قد لا توجد على التمام في لحظة، بل توجد على التدريج وتستنفذ إمكاناتها شيئاً فشيئاً، وبذلك يحصل التطوّر ويوجد التكامل. فالماء حين تتضاعف حرارته لا يعني ذلك: أ نّه في كلّ لحظة يستقبل حرارة بدرجة معيّنة، توجد على التمام ثمّ تُفنى وتُخلق من جديد حرارة اخرى بدرجة جديدة، بل محتوى تلك المضاعفة:
أنّ حرارة واحدة وجدت في الماء، ولكنّها لم توجد على التمام، بمعنى: أ نّها لم تستنفذ في لحظتها الاولى كلّ طاقاتها وإمكاناتها، ولذلك أخذت تستنفذ إمكاناتها بالتدريج، وتترقّى بعد ذلك وتتطوّر. وبالتعبير الفلسفي: أ نّها حركة مستمرّة متصاعدة.