ولا يشعر بما يشعر به جميع الناس وحتّى الأطفال من ضروب التغيّر والتبدّل في دنيا الطبيعة.
ومن الواضح لدى كلّ أحد: أنّ الإيمان بوجود التغيّر في عالم الطبيعة مسألة لا تحتاج إلى دراسات علمية سابقة، وليست موضعاً لخلاف أو نقاش، وإنّما الجدير بالدرس هو ماهية هذا التغيّر، ومدى عمقه وعمومه؛ فإنّ التغيّر نحوان: أحدهما التعاقب البحت، والآخر الحركة. والتأريخ الفلسفي يروي صراعاً حادّاً لا في مسألة التغيّر بصورة عامة، بل في كنهه وتفسيره الفلسفي الدقيق. ويدور الصراع حول الجواب عن الأسئلة التالية:
هل التغيّر الذي يطرأ على الجسم حين يطوي مسافةً ما، عبارة عن وقفات متعدّدة في أماكن متعدّدة تعاقبت بسرعة، فتكوّنت في الذهن فكرة الحركة؟ أو إنّ مردّ هذا التغيّر إلى سير واحد متدرّج لا وقوف فيه ولا سكون؟ وهل التغيّر الذي يطرأ على الماء حين تتضاعف حرارته وتشتدّ، يعني مجموعة من الحرارات المتعاقبة، يتلو بعضها بعضاً؟ أو إنّه يعبّر عن حرارة واحدة تتكامل وتتحرّك وتترقّى درجتها؟
وهكذا نواجه هذا السؤال في كلّ لون من ألوان التغيّر التي تحتاج إلى شرح فلسفي بأحد الوجهين الذين يقدّمهما السؤال.
والتأريخ الإغريقي يحدّث عن بعض المدارس الفلسفية: أ نّها أنكرت الحركة، وأخذت بالتفسير الآخر للتغيّر الذي يردّ التغيّر إلى تعاقب امور ساكنة.
ومن رجالات تلك المدرسة (زينون) الذي أكّد على أنّ حركة المسافر من أقصى الأرض إلى أقصاها ليست إلّاسلسلة من سكنات متعاقبة. فهو لا يتصوّر التدرّج في الوجود والتكامل فيه، بل يرى كلّ ظاهرة ثابتة، وأنّ التغيّر يحصل بتعاقب الامور الثابتة، لا بتطوّر الأمر الواحد وتدرّجه. وعلى هذا تكون حركة الإنسان