– إذن- شيئاً محدّداً، وهو بالتالي ليس موجوداً، وهذا هو الطباق الذي أثارته الاطروحة، وهكذا حصل التناقض في مفهوم الوجود، ويحلّ هذا التناقض في التركيب بين الوجود واللاوجود الذي ينتج موجوداً لا يوجد على التمام، أي:
صيرورة وحركة، وهكذا ينتج أنّ الوجود الحقّ هو الصيرورة.
هذا مثال سقناه لنوضّح كيف يتسلسل أبو الجدل الحديث في استنباط المفاهيم العامّة من الأعمّ إلى الأخصّ، ومن الأكثر خواءً وضعفاً، إلى الأكثر ثراءً والأقرب إلى الواقع الخارجي.
وليس هذا الجدل في استنباط المفاهيم عنده إلّاانعكاساً لجدل الأشياء بذاتها في الواقع، فإذا استثارت فكرة من الأفكار فكرة مقابلة لها، فلأنّ الواقع الذي تمثّله هذه الفكرة يتطلّب الواقع المضادّ[1].
ونظرة بسيطة على الاطروحة، والطباق، والتركيب، في قضية الوجود التي هي أشهر ثواليثه، تدلّنا بوضوح على أنّ (هيجل) لم يفهم مبدأ عدم التناقض حقّ الفهم حين ألغاه، ووضع موضعه مبدأ التناقض. ولا أدري كيف يستطيع (هيجل) أن يشرح لنا التناقض، أو النفي والإثبات المجتمعين في مفهوم الوجود؟ إنّ مفهوم الوجود مفهوم عام دون شكّ، وهو لذلك قابل لأن يكون كلّ شيء، قابل لأن يكون نباتاً أو جماداً، أبيض أو أسود، دائرة أو مربّعاً. ولكن هل معنى هذا: أنّ هذه الأضداد والأشياء المتقابلة مجتمعة كلّها في هذا المفهوم، ليكون ملتقىً للنقائض والأضداد؟ طبعاً لا؛ فإنّ اجتماع الامور المتقابلة في موضوع واحد شيء، وإمكان صدق مفهوم واحد عليها شيء آخر. فالوجود مفهوم ليس فيه من نقائض
[1] انظر للتفصيل: هيجل، أو المثاليّة المطلقة، د. زكريا إبراهيم: 138- 172، وهيجل، د. إمام عبد الفتّاح إمام 1: الكتاب الأوّل، المنهج الجدلي عند هيجل