فالمبدأ الأوّل لا موضع له في المنطق الجديد ما دام كلّ شيء قائماً في حقيقته على التناقض. وإذا ساد التناقض كقانون عام، فمن الطبيعي أن يسقط المبدأ الثاني للمنطق الكلاسيكي أيضاً؛ فإنّ كلّ شيء تسلب عنه هويته في لحظة الإثبات بالذات؛ لأنّه في صيرورة مستمرّة، وما دام التناقض هو الجذر الأساسي لكلّ حقيقة، فلا غرو فيما إذا كانت الحقيقة تعني شيئين متناقضين على طول الخطّ. ولمّا كان هذا التناقض المركز في صميم كلّ حقيقة مثيراً لصراع دائم في جميع الأشياء، والصراع يعني: الحركة والاندفاع، فالطبيعة في نشاط وتطوّر دائم، وفي اندفاعة وصيرورة مستمرّة.
هذه هي الضربات التي زعم المنطق الديالكتيكي أ نّه سدّدها إلى المنطق الإنساني العام، والمفهوم المألوف للعالم الذي ارتكزت عليه الميتافيزيقية آلاف السنين.
وتتلخّص الطريقة الجدلية لفهم الوجود في افتراض قضية اولى، وجعلها أصلًا، ثمّ ينقلب هذا الأصل إلى نقيضه بحكم الصراع في المحتوى الداخلي بين المتناقضات، ثمّ يأتلف النقيضان في وحدة، وتصبح هذه الوحدة بدورها أصلًا ونقطة انطلاق جديد، وهكذا يتكرّر هذا التطوّر الثلاثي تطوّراً لا نهاية له ولا حدّ، يتسلسل مع الوجود، ويمتدّ ما امتدّت ظواهره وحوادثه.
وقد بدأ (هيجل) بالمفاهيم والمقولات العامّة، فطبّق عليها الديالكتيك، واستنبطها بطريقة جدلية قائمة على التناقض المتمثّل في الاطروحة، والطباق، والتركيب. وأشهر ثواليثه في هذا المجال وأوّلها هو: الثالوث الذي يبدأ من أبسط تلك المفاهيم وأعمّها، وهو: مفهوم الوجود. فالوجود موجود، وهذا هو الإثبات أو الاطروحة، بيد أ نّه ليس شيئاً؛ لأنّه قابل لأن يكون كلّ شيء. فالدائرة وجود، والمربّع، والأبيض، والأسود، والنبات، والحجر، كلّ هذا هو موجود. فليس