وواضح أنّ النسبة في الحسّ لا تعني أنّ أشياءَ عديدة ومتغايرة تشترك في رمز حسّي واحد، ليسقط هذا الرمز عن القيمة نهائياً، ويعجز عن تعيين الاتّجاه الذي يحفظ لنا حياتنا ويحدّد موقفنا من الأشياء الخارجية، بل النظرية النسبية الفيزيولوجية تقوم على أساس أنّ كلّ لون من الإحساس فهو رمز يختصّ بواقع موضوعي معيّن، لا يمكن أن يرمز إليه بلون آخر من ألوان الحسّ، ويتاح- حينئذٍ- لنا أن نحدّد موقفنا من الأشياء على ضوء تلك الرموز، ونردّ عليها بالفعّالية التي تنسجم مع الرمز وتتطلّبها طبيعة الحياة تجاهه.
الحركة الديالكتيكية في الفكر:
وتناولت الماركسية بعد ذلك المذهب النسبي في الحقيقة، فاعتبرته نوعاً من السفسطة؛ لأنّ النسبية فيه تعني: تغيّر الحقائق من ناحية ذاتية، وقرّرت النسبية بشكل جديد، أوضحت فيه تغيّر الحقائق طبقاً لقوانين التطوّر والتغيّر في المادّة الخارجية.
فليست في الفكر الإنساني حقائق مطلقة، وإنّما الحقائق التي ندركها نسبية دائماً، وما يكون حقيقة في وقت يكون بنفسه خطأ في وقت آخر. وهذا ما تتّفق عليه النسبية والماركسية معاً. وتزيد الماركسية بالقول: إنّ هذه النسبية وهذه التغيّرات والتطوّرات في الحقيقة ليست إلّاانعكاساً لتغيّرات الواقع، وتطوّرات المادّة التي نتمثّلها في حقائقنا الفكرية. فالنسبية في الحقيقة بنفسها نسبية موضوعية، وليست نسبية ذاتية ناشئة من جانب الذات المفكّرة، ولذلك فهي لا تعني عدم وجود معرفة حقيقية للإنسان، بل الحقيقة النسبية المتطوّرة التي تعكس الطبيعة في تطوّرها، هي المعرفة الحقيقية في المنطق الديالكتي.