كانا في زمان يتعارضان مع الطبيعة ومع الكائن، عندئذٍ يؤدّي ذلك بنا حتماً إلى أن نجد- رائعاً جدّاً- كون وعينا للطبيعة وتفكير الكائن وقوانين الفكر متطابقة إلى أبعد حد.
ولكن إذا تساءلنا: ما هو الفكر؟ وما هو الوعي؟ ومن أين يأتيان؟ وجدنا أنّ الإنسان هو نفسه نتاج للطبيعة، نما في بيئة ومع نموّ هذه البيئة، وعندئذٍ يصبح في غنىً عن البيان:
كيف أنّ منتوجات الذهن البشري التي هي- أيضاً- عند آخر تحليل منتوجات للطبيعة ليست في تناقض، وإنّما في توافق مع سائر الطبيعة المترابطة»[1].
إنّ الفكر في المفهوم الماركسي جزء من الطبيعة أو نتاج أعلى لها.
ولنفترض أنّ هذا صحيح- وليس هو بصحيح- فهل يكفي ذلك لأجل أن نبرهن على إمكان معرفة الطبيعة بصورة كاملة؟!
صحيح أنّ الفكر إذا كان جزءاً من الطبيعة ونتاجاً لها فهو يمثّل بطبيعة الحال قوانينها، ولكن ليس معنى هذا: أنّ الفكر بهذا الاعتبار يصبح معرفة صحيحة للطبيعة وقوانينها.
أوَ ليس الفكر الميتافيزيقي أو المثالي فكراً، وبالتالي جزءاً من الطبيعة ونتاجاً لها- في الزعم المادّي؟!- أوَ ليست جميع محتويات العمليات الفيزيولوجية ظواهر طبيعية ونتاجاً للطبيعة؟!
فقوانين الطبيعة- إذن- تتمثّل في تفكير المادّي الجدلي وتجري عليه، وفي التفكير المثالي والميتافيزيقي على السواء، كما تتمثّل في جميع العمليات
[1] ما هي المادّية؟: 46- 47