لا تتحوّل بالإحساس إلى حركة نفسية، لأنّ التحوّل يعني تبدّل الحركة من شكل إلى شكل، ومن الواضح أنّ الحركة الطبيعية أو الفيزيائية للمادّة المحسوسة لا تتبدّل هكذا إلى حركة فيزيولوجية أو فكرية؛ إذ انّ معنى تبدّلها كذلك زوال الشكل الأوّل من الحركة، وبالتالي زوال المادّة التي تعبّر عن وجودها في ذلك الشكل الخاصّ.
فليست الحركة الموضوعية للشيء المحسوس كحركة المطرقة، وليس الإحساس تحويلًا لتلك الحركة الموضوعية- التي هي كيفية وجود المادّة- إلى حركة نفسية، كما تتحوّل حركة المطرقة إلى حرارة، وإلّا لكان الإحساس عملية تبديل للمادّة إلى فكرة كما تتبدّل الحركة الآلية إلى حرارة.
وعلى هذا فليست مسألة الإدراك مسألة تحوّل الحركة الفيزيائية إلى حركة نفسية، الذي هو بعينه عبارة عن تحوّل الواقع الموضوعي إلى فكرة، بل يوجد للشيء المحسوس والمدرَك واقع موضوعي، وللإحساس وجود آخر في نفوسنا، وما دام هناك وجودان: وجود ذاتي للإحساس أو الفكر، ووجود موضوعي للشيء المحسوس، فلا نستطيع أن نفهم الصلة بين هذين الوجودين إلّاكما نفهم الصلة بين سبب ونتيجة، وكما نفهم العلاقة بين واقع وصورة منعكسة عنه.
ونواجه عند هذا بكلّ وضوح المسألة الأساسية التي نحن بصددها، وهي:
أنّ الفكرة ما دامت نتيجة للشيء الموضوعي، وما دامت العلاقة المفهومة بينهما هي علاقة السببية، فلماذا يجب أن نفترض أنّ هذه النتيجة وسببها يختلفان عن سائر النتائج وأسبابها، ويمتازان عليها بخاصّة، وهي: أنّ النتيجة تصوِّر لنا سببها وتعكسه انعكاساً تامّاً؟!
فهناك كثير من الوظائف الفزيولوجية هي نتائج أسباب خارجية معيّنة، ولم نجد في واحدة من النتائج القدرة على تصوير سببها، وإنّما تدلّ دلالة غامضة