وعلى ضوء تلك المبادئ نثبت موضوعية أحاسيسنا وتجاربنا.
ولنأخذ لذلك مثالًا: مبدأ العلّية الذي هو من تلك المبادئ الضرورية، فإنّ هذا المبدأ يحكم بأنّ لكلّ حادثة سبباً خارجاً عنه، وعلى أساسه نتأكّد من وجود واقع موضوعي للإحساسات والمشاعر التي تحدث في نفوسنا؛ لأنّها بحاجة إلى سبب تنبثق عنه، وهذا السبب هو الواقع الموضوعي.
وهكذا نستطيع أن نبرهن على موضوعية الحسّ والتجربة بمبدأ العلّية.
فهل يمكن للماركسية أن تتّخذ هذا الاسلوب؟ طبعاً لا؛ وذلك:
أوّلًا- لأنّها لا تؤمن بمبادئ ضرورية عقلية، فليس مبدأ العلّية في عرفها إلّا مبدأً تجريبياً تدلّ عليه التجربة، فلا يصحّ أن يعتبر أساساً لصدق التجربة وموضوعيتها.
وثانياً- أنّ الديالكتيك يفسِّر تطوّرات المادّة وحوادثها بالتناقضات المحتواة في داخلها. وليست الحوادث الطبيعية في تفسيره محتاجة إلى سبب خارجي، كما سندرس ذلك بكلّ تفصيل في المسألة الثانية. فإذا كان هذا التفسير الديالكتي كافياً لتبرير وجود الحوادث الطبيعية، فلماذا نذهب بعيداً؟! ولماذا نضطرّ إلى افتراض سبب خارجي وواقع موضوعي لكلّ ما يثور في نفوسنا من إدراك؟! بل يصبح من الجائز أن تقول المثالية في ظواهر الإدراك والحسّ ما قاله الديالكتيك عن الطبيعة تماماً، وتزعم أنّ هذه الظواهر في حدوثها وتعاقبها محكومة لقانون نقض النقض الذي يضع رصيد التغيّر والتطوّر في المحتوى الداخلي.
وبهذا نعرف أنّ الديالكتيك لا يحجبنا عن سبب خارج الطبيعة فحسب، بل يحجبنا بالتالي عن هذه الطبيعة بالذات، وعن كلّ شيء خارج دنيا الشعور