ومن البديهي: أنّ هذه المسألة تضع الحسّ التجريبي بالذات موضع الامتحان والاختبار، فلايمكن أن يبرهن على موضوعية التجربة والحسّ بالتجربة والحسّ نفسهما، ولا الردّ على المثالية بها، مع أ نّها هي موضع النقاش والبحث بين الفريقين (المثاليين والواقعيين).
فكلّ مشكلة موضوعية إنّما يمكن اعتبارها علمية، وحلّها بأساليب العلم التجريبية، فيما إذا كان من المعترَف به سلفاً صدق التجربة العلمية وموضوعيّتها.
فمشكلة حجم القمر، أو بُعد الشمس عن الأرض، أو بنية الذرّة، أو تركيب النبات، أو عدد العناصر البسيطة، يمكن انتهاج الطرق العلمية في دراستها وحلّها. وأمّا إذا طُرِحت نفس التجربة على بساط البحث، وثار النقاش حول قيمتها الموضوعية، فلا موضع للاستدلال العلمي في هذا المجال على صدق التجربة وقيمتها الموضوعية بالتجربة نفسها.
فواقعية الحسّ والتجربة- إذن- هي الأساس الذي يتوقّف عليه كيان العلوم جميعاً، ولا تتمّ دراسة أو معالجة علمية إلّابناءً عليه، فيجب أن يعالج هذا الأساس معالجة فلسفية خالصة قبل الأخذ بأيّ حقيقة علمية.
وإذا درسنا المسألة دراسة فلسفية نجد أنّ الإحساس التجريبي لا يعدو أن يكون لوناً من ألوان التصوّر، فمجموعة التجارب مهما تنوّعت إنّما تموّن الإنسان بإدراكات حسّية متنوّعة. وقد مرّ بنا التحدّث عن الإحساسات في دراستنا للمثالية، وقلنا: إنّها ما دامت مجرّد تصوّرات فلا تبرهن على الواقع الموضوعي ودحض المفهوم المثالي.
وإنّما يجب علينا أن ننطلق من المذهب العقلي، لنشيد على أساسه المفهوم الواقعي للحسّ والتجربة، فنؤمن بوجود مبادئ تصديقية ضرورية في العقل،