الأوضاع والعلاقات[1].
ومن اليسير أن نلاحظ هنا: أنّ القوى الاقتصادية احتلّت في المادّية التأريخية موضع العناصر اللّاشعورية من الغرائز والشهوات في نظرية فرويد، فبينما كان الفكر عند فرويد تعبيراً حتمياً عن متطلّبات الغرائز والشهوات المكتنزة، يصبح في رأي المادّية التأريخية تعبيراً حتمياً عن متطلّبات القوى الاقتصادية والوضع الاقتصادي العامّ. والنتيجة واحدة في الحالين، وهي: انعدام الثقة بالمعرفة وفقدانها لقيمتها؛ لأنّها أداة لتنفيذ متطلّبات قوّة صارمة مسيطرة على التفكير، هي: قوّة اللّاشعور أو قوّة الوضع الاقتصادي، ولا يمكننا أن نعرف ما إذا كان الوضع الاقتصادي يملي في عقولنا الحقيقة أو ضدّها، وحتّى إذا وجدت هذه المعرفة فهي بدورها- أيضاً- تعبير جديد عن متطلّبات الوضع الاقتصادي التي لم نعرف بعد كيف نثق بتطابقها مع الواقع.
وبهذا نعرف أنّ مذهب الماركسية في التأريخ كان يفرض عليها الشكّ، غير أ نّها لم تخنع للشكّ، وأعلنت في فلسفتها عن إيمانها بالمعرفة وقيمتها.
وسوف نعرض فيما بعد لنظرية المعرفة عند الماركسية على الصعيد الفلسفي، وإنّما نريد أن نشير هنا إلى أنّ النتائج المحتومة للمذهب الماركسي في التأريخ- أي المادّية التأريخية- تناقض نظرية الماركسية الفلسفية عن المعرفة؛ لأنّ الربط المحتوم بين الفكر والعامل الاقتصادي في المذهب التأريخي للماركسية يزيل الثقة بكلّ معرفة بشرية، خلافاً لنظرية المعرفة الماركسية التي تؤكّد على هذه الثقة
[1] راجع النظريّة مفصّلًا في: حقيقة العقل وحركة التاريخ، فهمي السجيني: 133- 200