العقلية اللّاشعورية وبين الحقيقة؛ لأنّ هذا التفكير ذاته ينبثق- أيضاً- عن رغباتنا اللّاشعورية، ويعبّر عنها لا عن الواقع والحقيقة.
ويجيء بعد هذا دور المادّية التأريخية لتنتهي إلى نفس النتيجة التي أسفرت عنها مذاهب السلوكية والتحليل النفسي بالرغم من أنّ أصحابها يرفضون كلّ لون للشكّ، ويؤمنون على الصعيد الفلسفي بقيمة المعرفة وقدرتها على كشف الحقيقة.
والمادّية التأريخية تعبّر عن المفهوم الكامل للماركسية عن التأريخ والمجتمع وقوانين تركّبه وتطوّره، وهي لذلك تعالج الأفكار والمعارف الإنسانية عامّة بوصفها جزءاً من تركيب المجتمع الإنساني، فتعطي رأيها في كيفية نشوء سائر الأوضاع السياسية والاجتماعية.
والفكرة الأساسية في المادّية التأريخية هي: أنّ الوضع الاقتصادي الذي تحدّده وسائل الانتاج هو الأساس الواقعي للمجتمع بكلّ نواحيه، فجميع الظواهر الاجتماعية تنشأ عن الوضع الاقتصادي، وتتطوّر تبعاً لتطوّره. ففي بريطانيا- مثلًا- حينما تحوّل وضعها الاقتصادي من الإقطاع إلى الرأسمالية، وحلّت الطاحونة البخارية محلّ الطاحونة الهوائية، تبدّلت جميع أوضاعها الاجتماعية، وتكيّفت وفقاً للحالة الاقتصادية الجديدة.
ومن الطبيعي للمادّية التأريخية بعد أن آمنت بهذا، أن تربط المعرفة الإنسانية عموماً بالوضع الاقتصادي- أيضاً- بوصفها جزءاً من الكيان الاجتماعي الذي يرتكز كلّه على العامل الاقتصادي، ولذلك نجد أ نّها تؤكّد على أنّ المعرفة الإنسانية ليست وليدة النشاط الوظيفي للدماغ فحسب، وإنّما يكمن سببها الأصيل في الوضع الاقتصادي؛ ففكر الإنسان انعكاس عقلي للأوضاع الاقتصادية وما ينشأ عنها من علاقات، وهو ينمو ويتطوّر طبقاً لتلك