ولا يمكن لنا السيطرة على نشاطها أو التحكّم في تكوينها وتطوّرها، وكلّ العناصر الشعورية تعتمد على هذه العناصر الخفيّة التي لا نشعر بها، وليست أعمال الشخص الشعورية إلّاانعكاساً محرّفاً لتلك الشهوات والدوافع المختزنة في اللّاشعور، فالشعور- إذن- أتى عن طريق اللّاشعور، حتّى يمكن القول لدى أصحاب التحليل النفسي: بأنّ اللّاشعور هو الذي يحدّد محتويات الشعور، وبالتالي يتحكّم في كلّ أفكار الإنسان وسلوكه. وعلى هذا الأساس تصبح شهواتنا الغريزية هي الأساس الحقيقي لما نعتقد بصحّته، وليست عمليات الاستدلال التي تهدينا إلى النتائج المفروضة علينا سلفاً من قِبل شهواتنا وغرائزنا إلّا إعلاءً لتلك الغرائز وتسامياً بها إلى منطقة الشعور التي تشكّل القسم الأعلى من العقل، بينما تشكّل العناصر اللّاشعورية والغرائز والشهوات المختزنة الطابق الأرضي أو القسم الأسفل الأساسي[1].
وبسهولة نستطيع أن ندرك أثر هذا المذهب التحليلي على نظرية المعرفة؛ فإنّ الفكر في ضوئه ليس أداة لتصوير الواقع والحدس بالحقيقة، وإنّما وظيفته التعبير عن متطلّبات اللّاشعور، والانتهاء حتماً إلى النتائج التي تفرضها شهواتنا وغرائزنا المختزنة في أعماقنا، وما دام العقل آلة طيّعة في خدمة غرائزنا والتعبير عنها لا عن الحقيقة والواقع، فليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأ نّه يعكس الحقيقة؛ لأنّ من الجائز أن تكون الحقيقة على خلاف رغباتنا اللّاشعورية التي تتحكّم في عقلنا، ومن المستحيل أن نفكّر في تقديم أيّ ضمان للتوافق بين قوانا
[1] راجع: الماركسيّة والتحليل النفسي، د. اوسبورن، ترجمة د. سعاد الشرقاوي: 42- 50، والمدخل إلى علم النفس الحديث، ركس نابت ومرجريت نايت، ت. د. عبد علي الجسماني: 349 و 360، ومذاهب علم النفس المعاصر: 222- 249