عمليات الهضم عند الباحثين المختلفين وأ يّهما هو الصحيح، فكما لا يصحّ أن نتساءل أ يّهما هو الحقيقة، عمليات الهضم عند أبيقور ونيوتن وماركس، أو عند أرسطو وآينشتين وريكاردو. كذلك لا يصحّ أن نتساءل أيّ مذاهبهم وأفكارهم هو الحقيقة؛ لأنّ أفكار هؤلاء المفكّرين، كعمليات الهضم المختلفة في مِعَدِهم، ليست إلّاوظائف جسمية ونشاطات عضوية، فمتى أمكن لنشاط المعدة في عمليات الهضم أن يكشف لنا عن نوعية الغذاء ويصف لنا طبيعته، يتاح للنشاط العصبي في الدماغ أن يعكس شيئاً من الحقائق الخارجية، وما دام لا يجوز لنا أن نتساءل عن نشاط المعدة أهو صادق أو كاذب، فكذلك بالنسبة إلى النشاط الفكري.
ونجد- أيضاً- بوضوح أنّ الفكرة في رأي المدرسة السلوكية مرتبطة بمنبّهاتها لا بدليلها، وبذلك تفقد الثقة بكلّ معرفة بشرية؛ لأنّ من الجائز أن تتبدّل وتعقبها فكرة مناقضة إذا اختلفت المنبّهات والشروط الخارجية، ويعود من عبث القول مناقشة المفكّر في فكرته وأدلّتها، وإنّما يجب الفحص عن المنبّهات المادّية لتلك الفكرة وإزالتها. فإذا كانت الفكرة قد نشأت- مثلًا- من حرارة الموقد في الغرفة التي يفكّر فيها وعملية الهضم، كان السبيل الوحيد للقضاء على الفكرة تغيير جوّ الغرفة وإيقاف عمليات الهضم مثلًا، وهكذا تصبح المعرفة البشرية خواءً وخلواً من القيمة الموضوعية.
ومذهب التحليل النفسي عند فرويد يسجّل نفس النتائج التي انتهت إليها السلوكية فيما يتّصل بنظرية المعرفة، فهو وإن كان لا ينكر العقل ولكنّه يقسِّمه إلى فئتين: إحداهما العناصر الشعورية، وهي: مجموعة الأفكار والعواطف والرغبات التي نحسّ بها في نفوسنا. والآخر العناصر اللّاشعورية في العقل، أي: شهواتنا وغرائزنا المختزنة وراء شعورنا، وهي قوىً عقلية عميقة الغور في أعماقنا،