مجموع المنبّهات (الطبيعية والشرطية) يتكافأ مع مجموع الأفكار في حياة الإنسان[1]. وأمّا كيف استفادت السلوكية من تجارب (بافلوف)، وما هي المنبّهات الشرطية التي كشفت عنها هذه التجارب فضاعفت من عدد المنبّهات التي تفسِّر السلوكية في ضوئها أفكار الإنسان، وإلى أيّ مدى يمكن لتجارب (بافلوف) أن تبرهن على وجهة النظر السلوكية، فهذا ما سنجيب عنه في البحث المخصّص للإدراك من بحوث هذا الكتاب، وهو الجزء الخامس من القسم الثاني في هذا الكتاب، وإنّما يهمّنا الآن إبراز وجهة النظر السلوكية التي تُخضِع الحياة الفكرية عند الإنسان للتفسير الميكانيكي، وتفهم الفكر والشعور بوصفه نشاطاً فيزيولوجياً تثيره أسباب مادّية متنوّعة.
ومن الواضح: أنّ أيّ محاولة لوضع نظرية للمعرفة في ضوء السلوكية هذه، يؤدّي حتماً إلى موقف سلبي تجاه قيمة المعرفة وإلى عدم الاعتراف بقيمتها الموضوعية، وبالتالي يصبح كلّ بحث عن صحّة هذه الفكرة العلمية أو هذا المذهب الفلسفي أو ذلك الرأي الاجتماعي عبثاً لا مبرّر له؛ لأنّ كلّ فكرة (مهما كان طابعها أو مجالها العلمي أو الفلسفي أو الاجتماعي) لا تعبّر عن شيء سوى حالات خاصّة تحدث في أجسام أصحاب الفكرة أنفسهم.
فلا نستطيع أن نتساءل على الصعيد الفلسفي أيّ الفلسفتين على صواب:
مادّية أبيقور، أو إلهية أرسطو؟ ولا أن نتساءل على الصعيد العلمي أ يّهما على صواب: نيوتن في فكرته القائلة بتفسير الكون على أساس الجاذبية، أو آينشتين في نسبيّته العامّة؟ ماركس في تفكيره الاقتصادي، أو ريكاردو مثلًا؟ وهكذا في كلّ المجالات؛ لأنّ تساؤلنا هذا يبدو في ضوء السلوكية شبيهاً تماماً بالتساؤل عن
[1] راجع مذاهب علم النفس المعاصر، علي ي، زيعور: 186- 203