3- المادّية التأريخية التي تحدّد آراء الماركسية في علم التأريخ.
أمّا السلوكية فهي إحدى المدارس الشهيرة في علم النفس التي تعبّر عن الاتّجاه المادّي فيه، واطلق عليها اسم السلوكية؛ لأنّها اتّخذت من سلوك الكائن الحيّ وحركاته الجسمية التي يمكن إخضاعها للحسّ العلمي والتجربة موضوعاً لعلم النفس، ورفضت الاعتراف بما وراء ذلك من موضوعات غير تجريبية كالعقل والشعور، وحاولت أن تفسّر سيكولوجية الإنسان وحياته النفسية والشعورية كلّها بدون أن تفترض له عقلًا وما إليه من المعاني الغيبية؛ لأنّ الباحث النفسي لا يجد ولا يحسّ علمياً حين إجراء تجاربه على الآخرين بعقولهم، وإنّما يحسّ بسلوكهم وحركاتهم ونشاطهم الفيزيولوجي، فيجب لكي يكون البحث علمياً أن تُفسَّر كلّ الظواهر السيكولوجية ضمن النطاق المحسوس؛ وذلك بالنظر إلى الإنسان بوصفه آلة يمكن تفسير كلّ ظواهرها وحركاتها على الطريقة الميكانيكية وفي ضوء مبدأ العلّية بالمنبّهات الخارجية التي ترد على الآلة فتؤثّر فيها.
فلا يوجد لدينا- ونحن ندرس الظواهر النفسية من وجهة رأي السلوكية- عقلٌ أو شعورٌ أو إدراك، وإنّما نحن أمام حركات ونشاطات مادّية فيزيولوجية توجد بأسباب مادّية باطنية أو خارجية. فحين نقول- مثلًا-: إنّ استاذ التأريخ يفكّر في إعداد محاضرة عن تأريخ الملكية الفردية عند الرومان، نكون قد عبّرنا في الحقيقة عن نشاطات وحركات مادّية في جهازه العصبي نشأت ميكانيكياً عن أسباب خارجية أو باطنية: كحرارة الموقد الذي جلس أمامه استاذ التأريخ أو عمليات الهضم التي أعقبت تناوله وجبة الغذاء.
وقد وجدت السلوكية في المنبّهات الشرطية القائمة على تجارب (بافلوف) سنداً كبيراً يتيح لها التأكيد على كثرة المنبّهات التي يتلقّاها الإنسان (بسبب نموّها وزيادتها عن طريق الإشراط) حتّى أصبح بالإمكان القول: بأن