مستقلّة عن التجربة، وينتج من ذلك: أنّ كلّ ما نعزوه للأشياء من أحكام متعلّقة بمكانها أو زمانها فهو مستمدّ من فطرتنا، ولم نعتمد فيه على ما أتانا من الخارج بواسطة الحسّ. وعلى ذلك فكلّ القضايا الرياضية مشتقّة من طبائع عقولنا، بمعنى: أ نّنا نحن خلقناها بأنفسنا ولم نستوردها من الخارج؛ إذ هي تدور حول الزمان والمكان الفطريين.
وبهذا تصبح الرياضة والمبادئ الرياضية ممكنة المعرفة، وتصبح الحقائق الرياضية حقائق يقينية مطلقة، فلا تتّسع في الميدان الرياضي للخطأ أو التناقض، ما دام الميدان الرياضي هو الميدان الفطري للنفس، وما دامت قضاياه منشأة من قبلنا وليست مقتبسة من واقع موضوعي منفصل عنّا، لنشكّ في مدى إمكان معرفته واستكناه سرّه.
والثانية- الطبيعيات، أي: المعارف البشرية عن العالم الموضوعي الذي يدخل في نطاق التجربة.
ويبدأ (كانت) هنا باستبعاد المادّة عن هذا النطاق؛ لأنّ الذهن لا يدرك من الطبيعة إلّاظواهرها. فهو يتّفق مع (باركلي) على أنّ المادّة ليست موضوعاً للإدراك والتجربة، ولكنّه يختلف عنه من ناحية اخرى. فهو لا يعتبر ذلك دليلًا على عدم وجود المادّة ومبرّراً لنفيها فلسفياً كما زعم (باركلي).
وإذا اسقطت المادّة من الحساب فلا يبقى للعلوم الطبيعية إلّاالظواهر التي تدخل في حدود التجربة، فهذه الظواهر هي موضوع هذه العلوم ولذلك كانت الأحكام فيها تركيبية ثانوية؛ لأنّها ترتكز على درس الظواهر الموضوعية للطبيعة، وهذه الظواهر إنّما تدرك بالتجربة.
وإذا أردنا أن نحلّل هذه الأحكام التركيبية الثانوية من قبل العقل، وجدناها مركّبة في الحقيقة من عنصرين: أحدهما تجريبي، والآخر عقلي. أمّا الجانب