العقلية إلى ثلاث طوائف[1]:
الاولى- الرياضيات. والأحكام العقلية فيها كلّها أحكام تركيبية أوّلية سابقة على التجربة؛ لأنّها تعالج موضوعات فطرية في النفس البشرية: فالهندسة تختصّ بالمكان، والحساب موضوعه هو العدد، والعدد عبارة عن تكرار الوحدة، والتكرار معناه التعاقب والتتابع، وهذا هو الزمن في مفهومه الفلسفي عند (كانت). وإذن فالقطبان الرئيسيان اللذان تدور حولهما المبادئ الرياضية هما: المكان، والزمان. والمكان والزمان في رأي (كانت) صورتان فطريتان في الحسّاسية الصورية للإنسان، أي: أنّ صورتيهما موجودتان في الحسّ الصوري بصورة
[1] ينبغي للقارئ أن يعرف شيئاً عن تحليل المعرفة في رأي( كانت)، لتتّضح له نظريته في قيمة المعرفة وإمكانها، فهو يرى أنّ الحسّ التجريبي يستورد الموضوعات التجريبية بصورة مشوّشة، فتنشأ بذلك إحساسات متفرّقة: فالطعم الذي جاء على اللسان، لا يرتبط بالرائحة التي سلكت عن طريق الأنف، ولا باللمعة الخاطفة من الضوء التي أثّرت على شبكية العين، ولا بالصوت الذي طرق الاذن. وهذه الأشتات الحسّية تتوحّد في قالبين موجودين في الحسّ بالفطرة، وهما: قالبا الزمان، والمكان، فينتج عن ذلك إدراك حسّي أو معرفة حسّية لشيء معيّن، فهذه المعرفة في مادّتها مستوردة من التجربة، وفي صورتها فطرية ترجع إلى الزمان والمكان. والإدراكات الحسّية بدورها هي موادّ خامّ تقدّم بين يدي العقل؛ لتتكوّن منها معرفة عقلية. والعقل يملك عدّة قوالب فطرية نظير القوالب التي يملكها الحسّ، فيصبّ تلك المواد الخامّ في هذه القوالب، ويبلورها في تلك الإطارات، فتحصل المعرفة العقلية.
وهكذا تكون الأشياء المحسوسة مركّبة من مادّة ادركت بالحسّ، وصورة زمانية ومكانية أنشأتها الحسّاسية الصورية، أي: الحسّاسية التي تخلق الصورة الموحّدة للإحساسات المختلفة. وتأتلف الأشياء المعقولة- أيضاً- من مادّة، وهي: الظواهر التي تصوغها الحسّاسية الصورية في إطار الزمان والمكان، وصورة، وهي: القوالب التي ينشأها الفهم الصوري ويوحّد بها تلك الظواهر.( المؤلّف قدس سره)