أ- نسبية (كانت):
يجب أن تعرف قبل كلّ شيء أنّ الحكم العقلي عند (كانت) على قسمين[1]:
أحدهما الحكم التحليلي، وهو: الحكم الذي يستعمله العقل لأجل التوضيح فحسب، كما في قولنا: الجسم ممتدّ، والمثلّث ذو أضلاع ثلاثة. فإنّ مردّ الحكم هنا إلى تحليل مفهوم الموضوع (الجسم أو المثلّث)، واستخراج العناصر المتضمّنة فيه- كالامتداد المتضمّن في مفهوم الجسم، والأضلاع الثلاثة المتضمّنة في مفهوم المثلّث- وردّها إلى الموضوع. والأحكام التحليلية لا تتحفنا بمعرفة جديدة للموضوع، ولا تقوم إلّابدور التفسير والتوضيح.
والآخر الحكم التركيبي، وهو: الذي يزيد محموله شيئاً جديداً على الموضوع، كما في قولنا: الجسم ثقيل، والحرارة تمدِّد الفلزات، و 2+ 2/ 4، فإنّ الصفة التي نسبغها على الموضوع في هذه القضايا ليست مستخرجة منه بالتحليل، وإنّما تضاف فتنشأ بسبب ذلك معرفة جديدة لم تكن قبل ذلك.
والأحكام التركيبية: تارة تكون أحكاماً أوّلية، واخرى تكون أحكاماً ثانوية.
فالأحكام الأوّلية هي: الأحكام الثابتة لدى العقل قبل التجربة، كالأحكام الرياضية نظير قولنا: الخطّ المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين. وسوف يأتي ما هو السبب في كونها كذلك. والأحكام التركيبية الثانوية هي: الأحكام الثابتة في العقل بعد التجربة، نظير الحكم بأنّ ضوء الشمس يسخن الحجر وأنّ كلّ جسم له وزن.
وتتلخّص نظرية (كانت) عن المعرفة في تقسيم المعارف أو الأحكام
[1] راجع: كانت أو الفلسفة النقديّة، د. زكريا إبراهيم: 66- 70. وكَنْط وفلسفته النظريّة، د. محمود زيدان: 61- 62، وموسوعة الفلسفة 2: 273