لنا في إدراكنا وحواسّنا. وإذا ميّزنا بينهما استطعنا أن نعرف أنّ تناقض الإحساسات لا يمكن أن يتّخذ برهاناً على عدم وجود واقع موضوعي- كما حاول باركلي- وإنّما يدلّ على عدم التكافؤ بين المعنى المدرَك بالحسّ، والواقع الموضوعي في الخارج، أي: أنّ الإحساس لا يجب أن يكون مطابقاً كلّ المطابقة للأشياء الخارجية. وهذا شيء غير ما حاوله (باركلي) من إنكار موضوعية الإحساس، فنحن حين نغمس يدينا بالماء فتحسّ إحداهما بالحرارة وتحسّ الاخرى بالبرودة، لا نضطرّ- لأجل استبعاد التناقض- أن ننكر موضوعية الإحساس بصورة مطلقة، بل يمكننا أن نفسِّر التناقض على وجه آخر، وهو: أنّ إحساساتنا عبارة عن انفعالات نفسية بالأشياء الخارجية، فلا بدّ من شيء خارجي حينما نحسّ وننفعل، ولكن ليس من الضروري تكافؤ الإحساس مع الواقع الموضوعي؛ لأنّ الإحساس لمّا كان انفعالًا ذاتياً فهو لا يتجرّد عن الناحية الذاتية. ويمكننا على هذا الأساس أن نحكم فوراً في شأن الماء الذي افترضه (باركلي) بأ نّه ماء دافئ ليس ساخناً ولا بارداً، وأنّ هذا الدفء هو الواقع الموضوعي الذي أثار فينا الإحساسين المتناقضين، وقد تناقض الإحساسان بسبب الناحية الذاتية التي نضيفها على الأشياء حين ندركها وننفعل بها.
الدليل الثاني- أنّ الاعتقاد بوجود الأشياء خارج روحنا وتصوّرنا إنّما يقوم على أساس أ نّنا نراها ونلمسها، أي: أ نّنا نعتقد بوجودها؛ لأنّها تعطينا إحساسات ما، إلّاأنّ إحساساتنا ليست سوى أفكار تحتويها أرواحنا، وإذن فالأشياء التي تدركها حواسّنا ليست سوى أفكار، والأفكار لا يمكن أن توجد خارج روحنا.
و (باركلي) في هذا الدليل يحاول أن يجعل مسألة الإيمان بالواقع الموضوعي للأشياء متوقّفة على الاتّصال بذلك الواقع بصورة مباشرة، وما دام