انهار الهرم كلّه.
وهذا الدليل لا قيمة له للأسباب الآتية:
أوّلًا- أنّ المعارف البشرية لا ترتكز كلّها على الحسّ والتجربة؛ لأنّ المذهب العقلي الذي درسناه في الجزء السابق من المسألة- المصدر الأساسي للمعرفة- يقرّر وجود معارف أوّلية ضرورية للعقل البشري، وهذه المعارف الضرورية لم تنشأ من الحسّ، ولا يبدو فيها شيء من التناقضات مطلقاً، فلا يمكن اقتلاع هذه المعارف بالعاصفة التي تثار على الحسّ والإدراكات الحسّية، وما دمنا نملك معارف في منجاة عن العاصفة فمن الميسور أن نقيم على أساسها معرفة موضوعية صحيحة.
ثانياً- أنّ هذا الدليل يتناقض مع القاعدة الفلسفية لمثالية (باركلي)، أي:
مع النظرية الحسّية والمذهب التجريبي؛ ذلك أنّ (باركلي) فيه يعتبر مبدأ عدم التناقض حقيقة ثابتة، ويستبعد من بداية الأمر إمكان التناقض في الواقع الموضوعي. وترتيباً على ذلك يستنتج من تناقض الإدراكات والتجارب الحسّية خلوّها من الواقع الموضوعي، وغاب عنه أنّ مبدأ عدم التناقض ليس في المذهب التجريبي إلّامبدأ تجريبياً يدلّل عليه بالتجربة الحسّية، فإذا كانت الإدراكات والتجارب متناقضة كيف صحّ لباركلي أن يؤمن بمبدأ عدم التناقض، ويبرهن عن هذا الطريق على عدم وجود واقع موضوعي؟! ولماذا لا يصحّ عنده وجود واقع موضوعي تتناقض فيه الظواهر والأشياء؟! والحقيقة: أنّ (باركلي) استند- لا شعورياً- إلى فطرته الحاكمة بمبدأ عدم التناقض بصورة مستقلّة عن الحسّ والتجربة.
ثالثاً- من الضروري أن نميّز بين مسألتين: إحداهما مسألة وجود واقع موضوعي للإدراكات والإحساسات، والاخرى مسألة مطابقة هذا الواقع لما يبدو