خارج حدودهما.
وينتاب المفهوم المثالي عند (باركلي) شيء من الغموض قد يجعل من الممكن أن يُقدَّم له عدّة تفسيرات، تتفاوت مفاهيمها في درجة مثاليتها وتعمّقها في النزعة التصوّرية. ونحن نأخذ أعمق تلك المفاهيم في المثالية، وهو: المفهوم المثالي البحت الذي لا يعترف بشيء عدا وجود النفس المدرِكة والإحساسات والإدراكات التي تتتابع في داخلها، وهذا المفهوم هو الذي يشعّ من أكثر بياناته الفلسفية، وينسجم مع الأدلّة التي حاول إثبات مفهومه المثالي بها، وتتلخّص الأدلّة على هذا المفهوم فيما يأتي:
الدليل الأوّل- أنّ جميع الإدراكات البشرية ترتكز على الحسّ وترجع إليه، فالحسّ هو القاعدة الرئيسية لها، وإذا حاولنا اختبار هذه القاعدة وجدناها مشحونة بالتناقضات والأخطاء: فحاسّة البصر تتناقض دائماً في رؤيتها للأجسام عند قربها وبعدها، فهي تدرِكها صغيرة الحجم إذا كانت بعيدة عنها، وتدركها بحجم أكبر إذا كانت قريبة منها. وحاسّة اللمس هي أيضاً تتناقض، فقد ندرك بها شيئاً واحداً إدراكين مختلفين، ويوضّح (باركلي) بعد ذلك فيقول: اغمس يديك في ماء دافئ، بعد أن تغمس إحداهما في ماء ساخن والاخرى في ماء بارد، أفلا يبدو الماء بارداً لليد الساخنة وساخناً لليد الباردة؟ فهل يجب- إذن- أن نقول عن الماء: إنّه ساخن وبارد في نفس الوقت؟! أوَ ليس هذا هو الكلام الفارغ بعينه؟! وإذن فلتستنتج معي: أنّ الماء في ذاته لا يوجد كمادّة مستقلًا عن وجودنا، فهو ليس سوى اسم نطلقه نحن على إحساسنا، فالماء يوجد فينا نحن. وفي كلمة واحدة: المادّة هي الفكرة التي نضعها عن المادّة. وإذا كانت الإحساسات فارغة عن كلّ حقيقة موضوعية للتناقضات الملحوظة فيها، لم تبقَ للمعرفة البشرية قيمة موضوعية مطلقاً؛ لأنّها ترتكز بصورة عامّة على الحسّ، وإذا انهارت القاعدة