المصدر الأساسي لتلك الإدراكات ليس ذا قيمة فلسفية قاطعة في نظرية المعرفة عند (لوك)، والنتيجة الطبيعية لذلك هي: الشكّ المطلق في قيمة كلّ معرفة إنسانية؛ لأ نّها ليست في حقيقتها ونواتها الأساسية إلّاإدراكاً حسّياً اكتسب بالتجربة الظاهرية أو الباطنية.
وهكذا يبدو أنّ تنويعه للمعرفة إلى أقسام ثلاثة، والتفريق بينها من ناحية الاعتبار الفلسفي، يتناقض مع الاسس التي أقامها.
كما أنّ تقسيمه لخواصّ الأجسام المحسوسة إلى طائفتين- كما فعل ديكارت- ليس منطقياً على اسسه، وإن كان منطقياً إلى حدّ ما على أساس (ديكارت)؛ ذلك أنّ (ديكارت) كان يقسّم المعرفة: إلى عقلية وحسّية، ويؤمن باعتبار الاولى من ناحية فلسفية دون الثانية، وقد زعم أنّ فكرة الإنسان عن بعض خواصّ الجسم من الأفكار العقلية الفطرية، وفكرته عن بعضها الآخر حسّية، فصحّ له بسبب ذلك أن ينوّع تلك الخواصّ إلى أوّلية وثانوية، ويؤمن بأنّ الخواصّ الأوّلية حقيقية وموضوعية دون الخواصّ الثانوية. وأمّا (جون لوك) فقد بدأ بناءه الفلسفي بإبعاد الأفكار الفطرية، والإيمان بسيادة الحسّ على الإدراك كلّه، فخواصّ الأجسام لا سبيل إلى إدراكها إلّاالحسّ، فما هو الفارق الفلسفي بين بعضها والبعض الآخر؟!
4- المثاليون:
والمذهب المثالي عميق الجذور في تأريخ الفكر الإنساني ومتعدّد الأساليب، ولفظ المثالية هو- أيضاً- من الألفاظ التي لعبت أدواراً مهمّة عبر التأريخ الفلسفي، وتبلور في عدّة مفاهيم فلسفية تبادلت عليه، وأكسبته بسبب ذلك لوناً من الغموض والالتباس.