معرفة صحيحة وصادقة، ولم يؤمن بغير تلك الأفكار الفطرية من الأفكار التي تنشأ بأسباب خارجية، وكان من نتيجة هذا أن قسّم الأفكار عن المادّيات إلى قسمين:
أحدهما الأفكار الفطرية، كفكرة الامتداد.
والآخر أفكار طارئة تعبّر عن انفعالات خاصّة للنفس بالمؤثّرات الخارجية كفكرة: الصوت، والرائحة، والضوء، والطعم، والحرارة، واللون.
فتلك كيفيات أوّلية حقيقية، وهذه كيفيات ثانوية لا تعبّر عن حقائق موضوعية، وإنّما تتمثّل في انفعالات ذاتية، فهي صور ذهنية تتعاقب وتثور في دنيا الذهن بتأثير الأجسام الخارجية، ولا يشابهها شيء من تلك الأجسام.
هذا عرض خاطف جدّاً لنظرية المعرفة عند ديكارت.
ويجب أن نعرف قبل كلّ شيء أنّ القاعدة الأساسية التي أقام عليها مذهبه ويقينه الفلسفي وهي: «أنا افكّر، فأنا- إذن- موجود»، قد نُقِضت في الفلسفة الإسلامية قبل ديكارت بعدّة قرون، حين عرضها الشيخ الرئيس ابن سينا ونقدها: بأ نّها لا يمكن أن تُعتَبر اسلوباً من الاستدلال العلمي على وجود الإنسان المفكّر ذاته، فليس للإنسان أن يبرهن على وجوده عن طريق فكره؛ لأنّه حين يقول: «أنا افكّر، فأنا موجود»، إن كان يريد أن يبرهن على وجوده ب (فكره الخاصّ) فقط، فقد أثبت وجوده الخاصّ من أوّل الأمر واعترف بوجوده في نفس الجملة الاولى. وإن كان يريد أن يجعل (الفكر المطلق) دليلًا على وجوده، فهو خطأ؛ لأنّ الفكر المطلق يحكم بوجود مفكّر مطلق لا مفكّر خاصّ، وإذن فالوجود الخاصّ لكلّ مفكّر يجب أن يكون معلوماً له علماً أوّلياً بصرف النظر عن جميع الاعتبارات بما فيها شكّه وفكره.