الطبيعة، وتحكم فيها بشيء إيجابي أو سلبي؛ لأنّ رصيدها العلمي لا يمدّها في تلك المسائل بشيء، فالقضية الفلسفية القائلة: (للعالم مبدأ أوّل وراء الطبيعة) ليس من حقّ الفلسفة العلمية أن تتناولها بنفي أو إثبات؛ لأنّ محتواها خارج عن مجال التجربة.
وبالرغم من ذلك نرى أنّ الماركسية تتدخّل في هذا اللون من القضايا وتجيب عليها بالنفي، الأمر الذي يجعلها تتمرّد على حدود الفلسفة العلمية، وتنساق إلى بحث ميتافيزيقي؛ لأنّ النفي فيما يتّصل بما وراء عالم الطبيعة كالإثبات، وكلاهما من الفلسفة الميتافيزيقية. وبذلك يبدو التناقض بين الحدود التي يجب أن تقف عندها الماركسية في بحثها الفلسفي بوصفها صاحبة فلسفة علمية، وبين انطلاقها في البحث إلى أوسع من ذلك.
وبعد أن ربطت الماركسية فلسفتها بالعلم، وآمنت بضرورة تطوّر المحصول الفلسفي وفقاً للعلوم الطبيعية، ومشاركة الفلسفة للعلم في نموّه وتكامله تبعاً لارتفاع مستوى الخبرة التجريبية وتعميقها على مرّ الزمن، كان من الطبيعي لها أن ترفض كلّ مطلق فلسفي فوق العلم.
وقد نشأ هذا من خطأ الماركسية في نظرية المعرفة وإيمانها بالتجربة وحدها. وأمّا في ضوء المذهب العقلي والإيمان بمعارف قبلية، فالفلسفة ترتكز على قواعد أساسية ثابتة، وهي: تلك المعارف العقلية القبلية الثابتة بصورة مطلقة ومستقلّة عن التجربة، ولأجل ذلك لا يكون من الحتم أن يتغيّر المحتوى الفلسفي باستمرار تبعاً للاكتشافات التجريبية.
ونحن لا نعني بذلك انقطاع الصلة بين الفلسفة والعلم، فإنّ الترابط بينهما وثيق؛ لأنّ العلم يقدّم في بعض الأحايين الحقائق الخاصّة إلى الفلسفة لتطبّق عليها