مبادئها المطلقة، فتخرج بنتائج فلسفية جديدة[1]، كما أنّ الفلسفة تنجد الاسلوب التجريبي في العلوم بمبادئ وقواعد عقلية يستخدمها العالم في سبيل الارتقاء من التجارب المباشرة إلى قانون علمي عامّ[2]. فالعلاقة بين الفلسفة والعلم قويّة[3]،
[1] ومثال ذلك: أنّ العلوم الطبيعية تبرهن على إمكان تحويل العناصر البسيطة بعضها إلى بعض. فهذه حقيقة علمية تتناولها الفلسفة كمادّة لبحثها، وتطبّق عليها القانون العقلي القائل: بأنّ الوصف الذاتي لا يتخلّف عن الشيء، فنستنتج: أنّ صورة العنصر البسيط كالصورة الذهبية ليست ذاتية لمادّة الذهب، وإلّا لما زالت عنها، وإنّما هي صفة عارضة. ثمّ تمضي الفلسفة أكثر من ذلك، فتطبّق القانون القائل: إنّ لكلّ صفة عارضة علّة خارجية، فتصل إلى هذه النتيجة: إنّ المادّة لكي تكون ذهباً أو نحاساً أو شيئاً آخر بحاجة إلى سبب خارجي. فهذه نتيجة فلسفية مستندة إلى ما أدّت إليه الطريقة العقلية من قواعد عامّة لدى تطبيقها على المادّة الخام التي قدّمتها العلوم للفلسفة.( المؤلّف قدس سره)
[2] كما ضربنا الأمثلة على ذلك آنفاً، فقد رأينا كيف أنّ النظرية العلمية القائلة: إنّ الحركة هي سبب الحرارة أو جوهرها تطلّبت عدّة من المبادئ العقلية القبلية.( المؤلّف قدس سره)
[3] حتّى يمكن القول في ضوء ما قرّرناه- خلافاً للاتّجاه العامّ الذي واكبناه في الكتاب- بعدم وجود حدود فاصلة بين قوانين الفلسفة وقوانين العلم كالحدّ الفاصل القائل: إنّ كلّ قانون قائم على أساس عقلي فهو فلسفي، وكلّ قانون قائم على أساس تجربي فهو علمي؛ لأنّنا عرفنا بوضوح أنّ الأساس العقلي والتجربة مزدوجان في عدّةٍ من القضايا الفلسفية والعلمية، فلا القانون العلمي وليد التجربة بمفردها، وإنّما هو نتيجة تطبيق الاسس العقلية على مضمون التجربة العلمية. ولا القانون الفلسفي في غنىً عن التجربة دائماً، بل قد تكون التجربة العلمية مادّة للبحث الفلسفي أو صغرى في القياس على حدّ تعبير المنطق الأرسطي، وإنّما الفارق بين الفلسفة والعلم: أنّ الفلسفة قد لا تحتاج إلى صغرى تجريبية، ولا تفتقر إلى مادّة خام تستعيرها من التجربة، كما سنيشير إليه بعد لحظة، وأمّا العلم فهو في كلّ قوانينه بحاجة إلى الخبرة الحسّية المنظّمة.( المؤلّف قدس سره)