عصر البخار، ولا عصر البخار عن عصر الطاحونة الهوائيّة والعمل اليدوي. فعلى كلّ هذه العصور- مثلًا- تصحّ القاعدة القائلة: إنّ من حقّ العامل أن يقطف ثمار عمله.
وثانياً: أنّ عمليّات الإنتاج التي يمارسها الفرد تعتبر مرحلة تطبيق لتلك القواعد العامّة في التوزيع، فإحياء الأرض الميتة، واستنباط عين الماء، واقتطاع الخشب، واستخراج المعادن كلّها عمليّات إنتاج، وهي في نفس الوقت تؤدّي إلى تطبيق القواعد العامّة للتوزيع على الثروات المنتجة. فمجال الإنتاج إذن هو ظرف تطبيق قواعد التوزيع.
وثالثاً: أنّ الإنتاج إذا ارتفع مستواه وازدادت وسائله وإمكاناته نمت سيطرة الإنسان على الطبيعة، وأصبح بإمكان الفرد المجهّز بقوى الإنتاج أن يمارس نشاطه في نطاق أوسع من المجالات التي كانت تتاح له قبل نموّ الإنتاج وارتفاع مستواه.
وتعلية على هذه النقاط نعرف أنّ تطوّر الإنتاج ونموّ قواه يتيح للإنسان أكثر فأكثر استغلال القواعد العامّة للتوزيع في مرحلة التطبيق خلال عمليّات الإنتاج التي يمارسها. وقد يبلغ هذا الاستغلال إلى درجة تشكّل خطراً على التوازن العام ومُثُل العدالة الاجتماعيّة في الإسلام.
ولنأخذ مثالًا على ذلك من إحياء الأرض: فإنّ الإنسان في عصور العمل اليدوي لم يكن يستطيع أن يحيي مساحات شاسعة من الأرض؛ لأنّ النظريّة لا تأذن له باستخدام الاجَراء في هذا السبيل، وهو لا يمكنه بأدوات عصر ما قبل الآلة أن يباشر الإحياء إلّافي حدود خاصّة، ولهذا لم يكن في مقدوره أن يسيء استغلال القواعد العامّة للتوزيع في مرحلة التطبيق، ولا أن يمتلك مساحات خطيرة من الأرض وفقاً للقاعدة التي تمنح المحيي حقّاً في الأرض التي أحياها.