لإنجازه أن يقوم الأوّل بدفع أداة الإنتاج فحسب. وكذلك الأمر في الجعالة أيضاً التي كانت تسمح لصانع الأسرّة الخشبيّة أن يشارك صاحب الخشب في الأرباح، كما تقدّم في الفقرة (10)، فإنّ صاحب الخشب يمكنه أن يجعل نصف الأرباح لكلّ من يعمل من خشبه أسرّة، ولكن لم يسمح له بجعالة يمنح فيها نصف الأرباح لمن يزوّده بأدوات الإنتاج التي يحتاجها في تقطيع الخشب وتركيب السرير منه؛ لأنّ الجعالة في الإسلام عبارة عن مكافأة يحدّدها الشخص مسبقاً على عمل يودّ تحقيقه، وليس مكافأة على أيّ خدمة مهما كان نوعها[1].
وعلى أيّ حال فأداة الإنتاج لا تساهم في الأرباح وإنّما تتقاضى الاجور فقط. فالكسب الناتج عن ملكيّة الأداة أضيق حدوداً من الكسب الناتج عن العمل؛ لأنّه ذو لون واحد بينما سمح للعمل باسلوبين من الكسب.
وعلى العكس من أدوات الإنتاج رأس المال التجاري، فإنّه لم يسمح له بالكسب على أساس الاجور، فلا يجوز لصاحب النقد أن يقرض نقده بفائدة، أي أن يدفعه للعامل ليتاجر به ويتقاضى من العامل أجراً على ذلك؛ لأنّ الأجر يتمتّع بميزة الضمان، وعدم الارتباط بنتائج العمليّة وما تكتنفها من خسائر وأرباح، وهذا هو الربا المحرّم شرعاً كما مرّ في الفقرة (7). وإنّما يجوز لصاحب النقد أو السلعة أن يدفع ماله إلى العامل ليتاجر به ويتحمّل وحده الخسارة، بينما يقاسمه الأرباح بنسبة مئويّة إذا حقّقت العمليّة ربحاً، فالمشاركة في الربح مع تحمّل أعباء الخسارة هو الاسلوب الوحيد الذي سمح لرأس المال التجاري باتّخاذه.
وبهذا نعرف أنّ أداة الإنتاج ورأس المال التجاري متعاكسان في الاسلوب المشروع للكسب، فلكلٍّ منهما اسلوبه، بينما يجمع العامل الاسلوبين.
[1] راجع الملحق رقم 16