الاقتصاد السياسي التقليدي[1].
ومن حقّنا أن نتساءل: هل نجح ماركس في تفسيره هذا للتراكم الأوّلي الذي كان أساساً للنظام الرأسمالي؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال يجب أن نعرف أنّ ماركس حين قدّم هذا التفسير لم يكن يهدف من ورائه إلى إدانة الرأسماليّة أخلاقيّاً بصفتها قائمة على أساس النهب والاغتصاب، وإن بدا في بعض الأحايين وكأ نّه يحاول شيئاً من ذلك؛ لأنّ ماركس يعتبر الرأسماليّة- في ظرف تكوّنها- حركة زحف إلى الأمام ساعدت على السير بالإنسان في المنحنى التاريخي نحو المرحلة العليا لحركة التطوّر البشري، فهي تتّفق في ذلك الظرف من وجهة رأيه مع القيم الخلقيّة، إذ ليست القيم الخلقيّة عنده إلّاوليدة الظروف الاقتصاديّة التي تتطلّبها وسائل الإنتاج. فإذا كانت القوى المنتجة تتطلّب قيام النظام الرأسمالي فمن الطبيعي أن تتكيّف القيم الخلقيّة في تلك المرحلة التاريخيّة طبقاً لمتطلّباتها[2].
فليس من هدف ماركس إذن- ولا من حقّه أن يستهدف على أساس مفاهيمه الخاصّة- الحكم على الرأسماليّة من وجهة نظر أخلاقيّة، وإنّما يهدف في دراسته للرأسماليّة إلى تطبيق المادّية التاريخيّة على مجرى التطوّر التاريخي، وتحليل الأحداث وفقاً لها. فما هو نصيبه من التوفيق في هذه الناحية؟
[1] راجع رأس المال 3، القسم الثالث: 1050- 1055
[2] قال أنجلز:« فإذا كان ماركس يقوم بإبراز الجوانب السيّئة من الإنتاج الرأسمالي فهو يثبت بوضوح مماثل أنّ هذا الشكل الاجتماعي كان ضروريّاً؛ لكي ترفع بالتدريج المجتمع القوى الإنتاجيّة إلى مستوى يستطيع فيه جميع أعضاء المجتمع أن ينمّوا بالتساوي قيمهم الإنسانيّة. رأس المال، ملاحق الجزء 3، القسم الثاني: 1168».( المؤلّف قدس سره)