وهذا يبرهن- وفقاً لمبدأ القيمة الاحتمالية الحاكمة- على أنّ القيمة الاحتمالية المثبتة للقضية المتواترة، حاكمة على القيمة الاحتمالية النافية لها المستمدّة من العلم الإجمالي الأوّل. ويعني ذلك أنّ ضآلة الاحتمال القبلي للقضية المتواترة ليس لها أيّ دور مضادّ في سير الاستدلال الاستقرائي.
ونلاحظ أنّ ما نواجهه في هذا الموقف هو حالة من حالات الفرضية الثانية من الفرضيّتين اللتين تفيان ببديهية الحكومة، وهي: أن يكون المعلوم بالعلم الإجمالي كلّياً مقيّداً بصفة، وهذه الصفة درجة احتمالها في أحد الطرفين أكبر من درجة احتمالها في الطرف الآخر، فتكون القيمة الاحتمالية المثبتة لتلك الصفة في طرف حاكمة على القيمة التي يحدّدها ذلك العلم الإجمالي لاحتماله. والصفة هنا هي: أ نّه لا يوجد أيّ إخبار غير مصلحي بسواه، وهذه الصفة محتملة بدرجة أكبر في الطرف الذي تظافرت الشهادات عليه.
وهكذا نعرف أنّ سير الاستدلال الاستقرائي لا يتأثّر بضآلة الاحتمال القبلي.
متى يكون للاحتمال القبلي دور معاكس؟
ولكن ضآلة الاحتمال القبلي للقضية المتواترة إنّما لا يكون لها دور مضادّ في سير الاستدلال الاستقرائي فيما إذا كانت الضآلة ناشئة عن كثرة البدائل الممكنة للقضية المتواترة، كما في المثال المتقدّم الذي نشأت فيه ضآلة الاحتمال القبلي للتركيب المعيّن الذي تظافرت الشهادات عليه بعد ذلك، عن كونه واحداً من ملايين التراكيب الممكنة لمائة حرف. ففي هذه الحالة تكون القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الإجمالي الثاني المثبتة للقضية المتواترة، حاكمة على القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الإجمالي الأوّل النافية للقضية المتواترة.