وهذا التلازم له ما يبرّره؛ لأنّنا عرفنا سابقاً أنّ السببيّة علاقة مفهوميّة، أي أ نّها علاقة ضرورة بين مفهومين، فإذا ثبتت بين ألف مّا وباء مّا، فهي ثابتة بينهما لا بوصفهما الشخصي بل بوصفهما المفهومي. وهذا يعني ثبوتها بين المفهومين، وبالتالي بين كلّ (أ) و (ب).
ويترتّب على ذلك: أنّ من الضروري- لكي يمارس الدليل الاستقرائي مرحلته الاستنباطية- أن تنصبّ التجارب المتكرّرة على ألفاتٍ بينها وحدة مفهومية وخاصية مشتركة، وليست مجرّد فئة مصطنعة نضمّ أعضاءها بعضاً إلى بعض اعتباطاً، لكي تكون سببية تلك الخاصّية المفهومية المشتركة هي المحور الذي تتجمّع فيه كلّ القيم الاحتمالية التي في صالح السببيّة.
وأمّا كيف نستطيع أن نعرف أنّ الألفات تعبّر عن وحدة مفهومية وخاصية مشتركة؟ فهذا ما يتوقّف بدوره على الاستقراء، وسوف اؤجّل الحديث عن هذه النقطة إلى القسم المقبل من الكتاب.
وإذا كان من الضروري، لكي تتحقّق المرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي، أن تكون الألفات- التي امتدّت التجربة إليها- ذات خاصية مشتركة، فهناك شرط آخر ضروري للتوصّل إلى تعميم النتيجة على كلّ الألفات الاخرى التي لم تستوعبها التجربة، وهو أن لا توجد، في حدود ما يتاح للملاحظ والمجرّب أن يعرفه، خاصية مشتركة تميّز الألفات التي شملتها التجربة عن ألفات اخرى، إذ في هذه الحالة تصبح الألفات التي استخدمناها في التجربة معبّرة عن مفهومين أو خاصيّتين: الاولى: خاصية شاملة للألفات الاخرى أيضاً، والثانية:
خاصية تتميّز بها عن سائر الألفات. والقيم الاحتمالية التي تبرهن على سببية الخاصية المشتركة لا تستطيع أن تعيّن الخاصية الاولى للسببية، بل هي حيادية تجاه فرضية سببية كلّ من الخاصيّتين، ويصبح التعميم على هذا الأساس بلا مبرّر.