الشكل الآخر للمرحلة الاستنباطيّة
كنّا في تفسيرنا للمرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي نطبّق هذه المرحلة على القضية القائلة: «إنّ كلّ (أ) يعقبها (ب)»، ومردّ هذه القضية- كما عرفنا سابقاً- إلى القضية القائلة: «إنّ (أ) سبب ل (ب)» لأنّ سببيّة (أ) ل (ب) بمفهومها العقلي تستبطن أو تستلزم التعميم المتقدّم الذكر. وعلى هذا الأساس كانت جهود الدليل الاستقرائي في المرحلة الاستنباطية منصبّة- وفقاً للطريقة التي شرحناها- على تنمية احتمال سببيّة (أ) ل (ب) من خلال التجارب المتكرّرة التي توجد فيها (أ) فيبرز (ب) إلى الوجود أيضاً. فهناك- إذن- شيء معلوم، وهو وجود (أ) في جميع الحالات التي لوحظ فيها وجود (ب)، وهناك شيء مجهول، وهو سببيّة (أ) ل (ب)، ويراد بالدليل الاستقرائي تنمية احتمال هذه السببيّة، وتخفيض احتمال استناد (ب) إلى (ت).
وقد لاحظنا أنّ لدينا- في الغالب- علمين إجماليين:
أحدهما: العلم الإجمالي القبلي بأنّ سبب (ب) إمّا (أ) وإمّا (ت)، وعلى أساس هذا العلم يحدّد الاحتمال القبلي لسببيّة (أ) ل (ب).
والآخر: العلم الإجمالي البعدي الذي يستوعب احتمالات وجود (ت) في التجارب الناجحة، وعلى أساس هذا العلم تحدّد قيمة الاحتمال البعدي لسببيّة (أ) ل (ب).