قضية أو نفيها لا يمكن أن نزعم المعرفة بصدقها أو كذبها. وهذا يعني أ نّه لا يسمح لنا برفض القضية والاعتقاد بعدمها لمجرّد أنّ الخبرة والتجربة لم تثبت صدقها؛ لأنّ المعرفة بالنفي كالمعرفة بالإثبات لا يمكن قبولها من وجهة نظر تجريبية ما لم تستند إلى الخبرة. فالقضية القائلة: إنّ هناك علاقات ضرورة بين السبب والمسبّب، لا يمكن أن نثبتها ولا أن ننفيها إلّاعلى أساس التجربة، ويعني ذلك أنّ هذه القضية سوف تكون محتملة في ظلّ المذهب التجريبي، وهذا الاحتمال هو الذي يحقّق الشرط المسبق الذي يتطلّبه الدليل الاستقرائي لكي يتمكّن من ممارسة المرحلة الاستنباطية على أساس الطريقة التي شرحناها في البحوث السابقة.
فما دمنا قد أوضحنا أنّ الشرط الأساس للمرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي هو أن يبدأ هذا الدليل من احتمال علاقة الضرورة بين (أ) و (ب)، وليس من الضروري أن يبدأ من الاعتقاد بها والتأكيد المسبق لها، فسوف يتاح للدليل الاستقرائي أن يحصل على شرطه في ظلّ المذهب التجريبي والعقلي على السواء.
3- التبرير العلمي:
وهناك الاتجاه الذي بدأه بعض علماء الفيزياء الذرّية على أساس مجموعة من التجارب العلمية في مجال الذرّة، وهو اتجاه يميل إلى القول بأنّ مبدأ السببيّة- بما تحتوي من حتمية وضرورة- لا ينطبق على العالم الذرّي.
ومن الواضح أنّ عدم إمكان التوصّل إلى تفسير سببي لسلوك الجسيم البسيط أو الذرّة، لا يعني بحال من الأحوال نفي السببيّة، وإنّما يعني: أنّ التجارب العلمية لم تستطع أن تبرهن على وجود سبب لتلك الظواهر التي يمارسها ذلك