1- المذهب العقلي
تنقسم المعارف البشرية في رأي العقليين إلى طائفتين:
إحداهما معارف ضرورية أو بديهية. ونقصد بالضرورة هنا: أنّ النفس تضطرّ إلى الإذعان بقضية معيّنة من دون أن تطالب بدليل أو تُبرهن على صحّتها، بل تجد من طبيعتها ضرورة الإيمان بها إيماناً غنياً عن كلّ بيّنة وإثبات، كإيمانها ومعرفتها بالقضايا الآتية: (النفي والإثبات لا يصدقان معاً في شيء واحد)، (الحادث لا يوجد من دون سبب)، (الصفات المتضادّة لا تنسجم في موضوع واحد)، (الكلّ أكبر من الجزء)، (الواحد نصف الاثنين).
والطائفة الاخرى معارف ومعلومات نظرية. فإنّ عدّة من القضايا لا تؤمن النفس بصحّتها إلّاعلى ضوء معارف ومعلومات سابقة، فيتوقّف صدور الحكم منها في تلك القضايا على عملية تفكير واستنباط للحقيقة من حقائق أسبق وأوضح منها، كما في القضايا الآتية: (الأرض كروية)، (الحركة سبب الحرارة)، (التسلسل ممتنع)، (الفلزات تتمدّد بالحرارة)، (زوايا المثلّث تساوي قائمتين)، (المادّة تتحوّل إلى طاقة) وما إلى ذلك من قضايا الفلسفة والعلوم. فإنّ هذه القضايا حين تُعرَض على النفس لا تحصل على حكم في شأنها إلّابعد مراجعة للمعلومات الاخرى. ولأجل ذلك فالمعارف النظرية مستندة إلى المعارف الأوّلية الضرورية، فلو سُلِبت تلك المعارف الأوّلية من الذهن البشري لم يستطع التوصّل إلى معرفة نظرية مطلقاً، كما سنوضِّح ذلك فيما بعد إن شاء اللَّه.
فالمذهب العقلي يوضح أنّ الحجر الأساسي للعلم هو: المعلومات العقلية الأوّلية، وعلى ذلك الأساس تقوم البنيات الفوقية للفكر الإنساني التي تُسمَّى