عن غيرها؟
وفي هذه المسألة عدّة مذاهب فلسفية، نتناول بالدرس منها المذهب العقلي والمذهب التجريبي. فالأوّل هو المذهب الذي ترتكز عليه الفلسفة الإسلامية، وطريقة التفكير الإسلامي بصورة عامّة. والثاني هو الرأي السائد في عدّة مدارس للمادّية ومنها المدرسة الماركسية[1].
[1] وقد توصّل المؤلّف قدس سره بعد تأليفه لهذا الكتاب إلى مذهب ثالث للمعرفة عرضه في كتابه القيّم« الاسس المنطقيّة للاستقراء» وسمّاه بالمذهب الذاتي للمعرفة تمييزاً له عن المذهبين الآخرين، وهذا المذهب يتّفق مع المذهب العقلي في الإيمان بوجود قضايا ومعارف يدركها الإنسان بصورة قبليّة ومستقلّة عن الحسّ والتجربة، وأنّ هذه القضايا تشكّل الأساس للمعرفة البشريّة، خلافاً للمذهب التجريبي الذي يؤمن بأنّ التجربة والخبرة الحسّيّة هي المصدر الوحيد للمعرفة، فلا توجد لدى الإنسان أيّ معرفة قبليّة بصورة مستقلّة عن الحسّ والتجربة، ففي هذه النقطة يتّفق المذهب الذاتي للمعرفة مع المذهب العقلي، ولكنّه يختلف معه اختلافاً أساسيّاً في تفسير نموّ المعرفة، بمعنى أنّ هذه المعارف القبليّة الأوّليّة كيف يمكن أن تنشأ منها معارف جديدة؟ فالمذهب العقلي لا يعترف عادةً إلّابطريقةٍ واحدة لنموّ المعرفة، وهي طريقة التوالد الموضوعي التي تعتمد على التلازم بين الواقع الموضوعي للمعارف القبليّة والواقع الموضوعي للمعرفة الجديدة، بينما يؤمن المذهب الذاتي بوجود طريقة اخرى أيضاً لنموّ المعرفة، وهي طريقة التوالد الذاتي التي تعني نشوء معرفةٍ من معارف اخرى قبليّة لا على أساس التلازم بين الواقع الموضوعي لتلك المعارف القبليّة والواقع الموضوعي للمعرفة الجديدة، بل على أساس التلازم بين ذات تلك المعارف القبليّة بوصفها اعتقادات ذهنيّة وذات المعرفة الجديدة بوصفها كذلك، من دون ضرورة التلازم بين الموضوعات الواقعيّة لتلك المعارف في خارج الذهن والموضوع الواقعي للمعرفة الجديدة في خارج الذهن أيضاً، ويعتقد هذا المذهب أنّ الجزء الأكبر من معارفنا يمكن تفسيره على هذا الأساس.( لجنة التحقيق)