التصديق ومصدره الأساسي
ننتقل الآن من درس الإدراك الساذج- التصوّر- إلى درس الإدراك التصديقي الذي ينطوي على الحكم، ويحصل به الإنسان على معرفة موضوعية.
فكلّ واحد منّا يدرك عدّة من القضايا، ويصدّق بها تصديقاً، ومن تلك القضايا ما يرتكز الحكم فيها على حقائق موضوعية جزئية، كما في قولنا: الجوّ حارّ، الشمس طالعة. وتُسمَّى القضية لأجل ذلك جزئية. ومن القضايا ما يقوم الحكم فيها بين معنيين عامّين كما في قولنا الكلّ أعظم من الجزء، والواحد نصف الاثنين، والجزء الذي لا يتجزّأ مستحيل، والحرارة تولّد الغليان، والبرودة سبب للتجمّد، ومحيط الدائرة أكبر من قطرها، والكتلة حقيقة نسبية، إلى غير ذلك من القضايا الفلسفية والطبيعية والرياضية. وتُسمَّى هذه القضايا بالقضايا الكلّية والعامّة.
والمشكلة التي تواجهنا هي مشكلة أصل المعرفة التصديقية والركائز الأساسية التي يقوم عليها صرح العلم الإنساني، فما هي الخيوط الأوّلية التي نسجت منها تلك المجموعة الكبيرة من الأحكام والعلوم؟ وما هو المبدأ الذي تنتهي إليه المعارف البشرية في التعليل، ويعتبر مقياساً أوّلياً عامّاً لتمييز الحقيقة