ويجب أن نعرف قبل كلّ شيء أنّ الإدراك ينقسم بصورة رئيسية إلى نوعين: أحدهما التصوّر، وهو: الإدراك الساذَج. والآخر التصديق، وهو:
الإدراك المنطوي على حكم. فالتصوّر، كتصوّرنا لمعنى الحرارة أو النور أو الصوت. والتصديق، كتصديقنا بأنّ الحرارة طاقة مستورَدة من الشمس، وأنّ الشمس أنور من القمر، وأنّ الذرّة قابلة للانفجار[1].
ونبدأ الآن بالتصوّرات البشرية لدرس أسبابها ومصادرها، ونتناول بعد ذلك التصديقات والمعارف.
[1] ولبعض الفلاسفة الحسّيين( كجون ستوارت ميل) نظرية خاصّة في التصديق حاولوا بها تفسيره بتصوّرين متداعيين. فمردّ التصديق إلى قوانين تداعي المعاني، وليس المحتوى النفسي إلّاتصوّر الموضوع وتصوّر المحمول.
ولكنّ الحقيقة: أنّ تداعي المعاني يختلف عن طبيعة التصديق كلّ الاختلاف، فهو قد يتحقّق في كثير من المجالات ولا يوجد تصديق، فالرجال التأريخيون الذين تسبغ عليهم الأساطير ألواناً من البطولات يقترن تصوّرهم في ذهننا بتصوّر تلك البطولات، وتتداعى التصوّرات، ومع ذلك فقد لا نصدّق بشيء من تلك الأساطير. فالتصديق- إذن- عنصر جديد يمتاز على التصوّر الخالص، وعدم التمييز بين التصوّر والتصديق في عِدّة من الدراسات الفلسفية الحديثة، أدّى إلى جملة من الأخطاء، وجعل عِدّة من الفلاسفة يدرسون مسألة تعليل المعرفة والإدراك من دون أن يضعوا فارقاً بين التصوّر والتصديق. وستعرف أنّ النظرية الإسلامية تفصِّل بينهما، وتشرح المسألة في كلّ منهما باسلوب خاصّ.( المؤلّف قدس سره)