تدور حول المعرفة الإنسانية مناقشات فلسفية حادّة تحتلّ مركزاً رئيسياً في الفلسفة وخاصّة الفلسفة الحديثة، فهي نقطة الانطلاق الفلسفي لإقامة فلسفة متماسكة عن الكون والعالم، فما لم تُحدَّد مصادر الفكر البشري ومقاييسه وقيمه لا يمكن القيام بأيّة دراسة مهما كان لونها.
وإحدى تلك المناقشات الضخمة هي: المناقشة التي تتناول مصادر المعرفة ومنابعها الأساسية بالبحث والدرس، وتحاول أن تستكشف الركائز الأوّلية للكيان الفكري الجبّار الذي تملكه البشرية. فتجيب بذلك على هذا السؤال: كيف نشأت المعرفة عند الإنسان؟ وكيف تكوّنت حياته العقلية بكلّ ما تزخر به من أفكار ومفاهيم؟ وما هو المصدر الذي يمدّ الإنسان بذلك السيل من الفكر والإدراك؟
إنّ الإنسان- كلّ إنسان- يعلم أشياء عديدة في حياته، وتتعدّد في نفسه ألوان من التفكير والإدراك، ولا شكّ في أنّ كثيراً من المعارف الإنسانية ينشأ بعضها عن بعض، فيستعين الإنسان بمعرفة سابقة على تكوين معرفة جديدة.
والمسألة هي: أن نضع يدنا على الخيوط الأوّلية للتفكير، على الينبوع العامّ للإدراك بصورة عامّة.